عهود ومواثيق مع غير المُسلمين
عهود ومواثيق مع غير المُسلمين
لقد جاءت مبادئ “الإصلاح الثوري” للمجتمع في الإسلام فيما يخصُّ العلاقة بالآخر وبخاصةٍ الأقلية أو المجتمعات المختلفة، لتتحوَّل من حدود الوصايا إلى المواد الواجبة في دستور دول الإسلام، إذ ظهر ذلك واضحًا في المواثيق والعهود التي تم عقدها مع من قامت بينهم وبين دولة الإسلام علاقات ومصالح.
فمثلًا دستور دولة المدينة “الصحيفة” الذي وضعه رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) عند قيام دولته بعد الهجرة لتنظيم الحقوق والواجبات، قد نصَّ على أن القطاعات العربية المتهوِّدة من قبائل المدينة ومن لحق بهم وعاهدوه، هم جزءٌ أصيلٌ في هذه الأمة الوليدة، فجاء فيه “وإن يهودَ بني عوف أُمة مع المؤمنين، لليهودِ دينُهم وللمسلمين دينُهم”.
وبالنسبة للنَّصارى، فقد نصَّ ميثاقُ العهد الذي كان قد كتبه رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) لنصارى “نجران” على أن لهم جوارَ الله وذمةَ محمدٍ رسول الله على أموالِهم وأنفُسِهم وملَّتِهم وغائِبهم وشاهِدهم وعشيرتِهم، وأن تُحمى كنائسهم وبيعهم وبيوت صلواتهم، بل إن الجزية نفسها والتي تعتبر “بدل جندية” لم تكن تُؤخذ إلا من القادرين ماليًّا، الذين يستطيعون حمل السلاح، وليست “بدلًا عن الإيمان بالإسلام” كما يظن البعض.
كما شمل الإسلامُ أمرَ المجوس والهندوس والبوذيين، فأميرُ المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) لما فُتحت فارس، أخذ برأي عبد الرحمن بن عوف (رضي الله عنه) فيما سيفعله بالمجوس لما قال: “أشهدُ على رسولِ الله (صلَّى الله عليه وسلم) أنه قال: “سُنُّوا فيهم سُنَّة أهل الكتاب..”.
الفكرة من كتاب الإسلام والأقليات: الماضي.. والحاضر.. والمستقبل
إن نقطة قوة الحضارات تكمن في أقليَّاتِها، فمنها تعرف أتستقرُّ الحضارة أم تزول ولا يبقى لها أثر، وكذا الحال في إمبراطوريات مضت كالرومانية التي لم تُهلك إلا بالأقليات الموجودة بها، ولقد كان من الضروري أن نتعمَّق في موقف الإسلام مع الأقليات والسياسة التي تعامل بها معهم حينما كانوا تحت ظلاله ولا يزالون.
وعمومًا، فبمرور الزمن وتتابع التاريخ ستجد أن سياسةً استعمارية قد بلورت أهدافها على يد هذه الثغرة؛ ثغرة الأقليات، وكلُّ ما عليك أن تدعم أقلية وتسلِّط الضوء عليها، فهذا يكفي لإسقاط دولة سمحت لك بالتغلغل في هذه الثغرة كدول لبنان وسوريا والعراق وليبيا، فما القصة؟
مؤلف كتاب الإسلام والأقليات: الماضي.. والحاضر.. والمستقبل
الدكتور محمد عمارة (1931-2020)، هو مفكر إسلامي مصري، وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وعضو هيئة كبار علماء الأزهر الشريف، ورئيس تحرير مجلة الأزهر سابقًا، حصل على الليسانس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية عام 1965م من كلية دار العلوم جامعة القاهرة، ثم نال درجة الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية عام 1975م، وألَّّف ما يصل إلى 147 كتابًا، ومن أهم مؤلفاته:
عندما دخلت مصر في دين الله.
مقوِّمات الأمن الاجتماعي في الإسلام.
القدس بين اليهودية والإسلام.