عهد الاحتلال
عهد الاحتلال
تركزت جهود بريطانيا الأولى في التمكن من مفاصل مصر، ففي المسألة المالية اقترضت مرة أخرى بضمان الدول الأوروبية كافة لصرف تعويضات الحرب، وزاد نفوذها على قناة السويس، ونفت رجال الثورة إلى جزيرة سرنديب، وحوكم الأهالي المساندون لهم، ولكنهم عانوا من التمرد في السودان قبل النجاح في إخماده مع كتشنر عام 1896م على رأس جيش حديث.
وقدمت اللجنة المسؤولة بعض الاقتراحات الإصلاحية، مثل إلغاء مجلس النواب وقانونه، وإنشاء مجالس مديريات لتقرير الضرائب، وإنشاء مجلس استشاري للقوانين وجمعية عمومية لمتابعة سير الأموال.
وورث عباس العرش وأسند إلى نوبار باشا رئاسة الحكومة ومسؤولية تشكيلها، وتعددت الأحداث التي زرعت التوتر بين كتشنر المعتمد البريطاني وبين الخديوي، كان أشهرها عندما انتقد الخديوي مستوى الجيش المصري في عرض عسكري بأسوان، وثارت كرامة الإنجليز مما أدى إلى اعتذار الخديوي وإقالة وزير حربيته، أي باختصار كانت الحكومات تتوالى والمعتمد البريطاني هو الحاكم الفعلي للبلاد دون وجود أي معارضة.
ثم نشأت الحركة الوطنية تحت قيادة مصطفي كامل بمطلبين أساسيين وهما الجلاء والدستور، وظلت جهودها تتراكم حتى بلغت أقصاها يوم المؤتمر العالمي للسلام عقب الحرب العالمية الأولى عام 1918م، حضره الوفد المصري بقيادة سعد زغلول وكيل الجمعية التشريعية، وعرض مطالب مصر المشروعة وما تعانيه من ظلم بإلغاء الحركة النيابية والضرائب الباهظة وتدهور الزراعة والاقتصاد، ولكن تم نفي الوفد إلى جزيرة مالطة وهو ما أشعل ثورة 1919م ، التي انتهت بتصريح 28 فبراير، الذي تم الاعتراف فيه باستقلال مصر وكان الخطوة الأولى للجلاء.
الفكرة من كتاب تاريخ مصر الحديث: من محمد علي إلى اليوم
التاريخ ليس مجرد نقل للأحداث، بل هو فن الوصول إلى الحقيقة، عن طريق وسائل يتبعها مؤرخ ذو عبقرية فذة وبصيرة ثاقبة، يتتبع الخطوط حتى يصل إلى رسم المشهد الكامل، مبرزًا الأحداث المؤثرة ومحللًا لأسبابها ومعددًا لنتائجها دون الغرق في تفاصيل كثيرة هامشية لا صلة لها بالحدث، ولأن مصر من الدول القليلة التي تتابعت عليها الأحداث الجلل بصورة مكثفة في فترات زمنية قصيرة، احتل تاريخها القديم والحديث أولوية اهتمام المؤرخين.
مؤلف كتاب تاريخ مصر الحديث: من محمد علي إلى اليوم
محمد صبري: ولد الدكتور بالقليوبية في عام 1894م، وتنقل بسبب عمل والده مفتشًا بين القرى الزراعية، ونشأ محبًّا للأدب والشعر، لدرجة تأخر حصوله على شهادة الثانوية بسبب اهتمامه بالقراءة وكتابة الشعر، احتك فيها بأدباء وشعراء عصره كالمنفلوطي وحافظ إبراهيم، سافر لدراسة التاريخ الحديث في جامعة السوربون، وحصل فيها على الدكتوراه عام 1924م.
عينه سعد زغلول سكرتيرًا ومترجمًا للوفد المصري بمؤتمر السلام لبراعته باللغات الأجنبية، كان همه الأول الكتابة عن تاريخ مصر الحديث لإبراز هويتها القومية، فهدف لكتابة أربعة مجلدات عن التاريخ الحديث لمصر، نجح في إخراج جزأين فقط، ثم انشغل بعدة أدوار معرفية وأدبية أخرى، ولكن لم يوقفه ذلك عن اهتمامه بالأدب، فأصدر سلسلة أدبية “الشوامخ ” عن شعراء ما قبل الإسلام.
توفي في عام 1978م بعدما عانى من عدة مشكلات أسرية ومالية، وسط تجاهل كبير لما قدمه في خدمة بلاده.