عن نعم الله
عن نعم الله
تأمَّل نعم الله التي لا تعدُّ ولا تحصى هو من الأُسس التي نبني عليها حسن ظننا بالله، ونحول به البلاء إلى سبب لزيادة حبنا له سبحانه، فحين يسدي لنا شخص معروفًا طيبًا، تنمو في داخلنا مشاعر من المحبة والوفاء، والله تعالى يغمرنا بإحسانه إذ هدانا للإسلام واكتنفنا بعطاياه في كل أمور حياتنا، وهو أحق بأن نخلص له ما حيينا وأن نمتنَّ له معترفين بجميل نعمه، وألا نسمح لبلاء دنيوي أن يزعزع ثقتنا به ومحبتنا له (جل وعلا).
وعلينا أن نعلم أنه ليست لنا عند الله في هذه الدنيا حقوق، وإنما أوجب الله على نفسه لعباده المؤمنين الجنة فضلًا منه وكرمًا، ومصيبة كثيرين أنهم يرون أن لهم حقوقًا واجبة في المال والصحة والأمن وغيرها، فإن ابتلوا بفقد شيء منها حاك في صدرهم وسخطوا، والأصل في الدنيا أنها دار ابتلاءات، نرى المسرات فيها مصبِّرات، ونصبر فلا نسمح للبلاءات أن تكون معكِّرات.
والإنسان إذا فقد القناعة لم يفكر إلا بما ينقصه، وأما النعم الدائمة المستمرة فتغدو باهتة فاترة فيزدريها، ويظن كل مُبتلَى أن ما فقده هو أهم شيء وتلك دعوى باطلة، وكثير من النعم لا نلاحظها ولا تحظى ببيان كغيرها، ويذكر المؤلف نعمة الدافعية مثالًا، تلك النعمة التي يُبتلى مريض الاكتئاب بفقدها، فلا تكون عنده دافعية للحياة ولا للأكل ولا للعمل ولا للعلاج، وأما النعمة التي يمكن أن نعدها كل شيء في هذه الحياة فهي نعمة الإيمان، فبه نصبر على ما نُبتلى به من فقدان نعم أخرى، بينما غياب الإيمان يجعل النعم استدراجًا وسببًا في شدة العذاب، وإذا سَلِم دين المرء كانت المحن التي يمر بها منحًا.
ومن ابتُلي بما هو طويل الأمد عادةً كمرض مزمن أو غيره فعليه أن يوطن نفسه على تقبل الوضع الجديد وأن يعتبره هو الأصل، ليتمكن من الالتفات إلى المباهج الأخرى في حياته تشغله عما فقده، ويُبقي مع ذلك شمعة الأمل مضاءة، أما إذا افترض أن زوال البلاء هو الأصل فسيظل تفكيره حبيسًا لذلك، وقد يصل به إلى ازدراء نعم الله عليه. والبلاء حين يحرمنا من بعض النعم، فإنه يذكرنا بنعم أخرى نغفل عنها، فيكون سببًا يحثُّنا على شكر الله، ويغمرنا الله بنعم نراها أكثر مما نستحق لكنه فضل الله يؤتيه من يشاء، وهو الودود الكريم، والخوف من الله مطلوب لكنه يجتمع مع حبه سبحانه في القلب فيدفع المرء إلى إصلاح نفسه، ولا يعكِّر عليه فرحه بنعم الله عليه.
الفكرة من كتاب حسن الظن بالله
يقول (صلى الله عليه وسلم): يقول الله تعالى: “أنا عند ظن عبدي بي”، فمن ظن بالله خيرًا أفاض عليه جزيل خيراته وجميل كراماته، ومن عامل الله باليقين أدهشه الله من عطائه بما يفوق خياله، فالله جل جلاله يعامل عباده على حسب ظنونهم به، ويفعل بهم ما يتوقعونه منه وفوقه.
يأخذنا هذا الكتاب في رحلة نتعلَّم فيها معنى حسن الظن بالله، وكيف نحوِّل المحنة إلى منحة، وكيف نستمتع بنعمة البلاء، وكيف نستبشر بكل الأمور، وكيف نعلِّق قلوبنا بالله سبحانه ونطهرها من العتب على الأقدار، ونعرف الأُسس التي يُقام عليها حسن الظن بالله، ومنها تأمُّل أسماء الله تعالى وصفاته، وتأمُّل نعم الله، والتعلق بالدار الآخرة.
مؤلف كتاب حسن الظن بالله
إياد عبد الحافظ قنيبي: دكتور في علم الأدوية الجزيئي، حاصل على الدكتوراه من جامعة هيوستن الأمريكية ومارس بحثه في مركز تكساس الطبي، وقد شارك في براءتي اختراع في مجال التئام الجروح، وعدد من الأبحاث العلاجية في مجالات عدة، كما أنه أحد ثلاثة مراجعين أكاديميين لأكثر كتب علم الأدوية انتشارًا في العالم، وهو كتاب Lippincott Illustrated Reviews: Pharmacology في الطبعة الثامنة من الكتاب الصادرة في عام 2018، ويعمل حاليًّا في كلية الصيدلة بجامعة جرش في الأردن.
كما تلقَّى الدكتور إياد العلوم الشرعية عن عدد من العلماء بجهد ذاتي، وله مقالات ومحاضرات في مجالات متنوِّعة مثل بناء الإيمان على أسس منهجية والرد على الشبهات وسلاسل في التأملات القرآنية، ومناقشات منهجية في سلسلة رحلة اليقين، وسلسلة المرأة، ويمكن متابعة تلك السلاسل المرئية وغيرها على يوتيوب، ومن مؤلفاته: متعة التدبُّر، وندى تشتكي لعائشة، وتحرير المرأة الغربية القصة الكاملة.