عن المقاطعة في الشريعة الإسلامية

عن المقاطعة في الشريعة الإسلامية
تُبيح الشريعة الإسلامية التعامل التجاري والاقتصادي بين المسلمين وغيرهم من الأمم والجماعات، فلا يعوق اختلاف الدين والمعتقد تلبية احتياجات الأفراد وما تحتاج إليه المجتمعات الإنسانية بتحصيل ما ينقصهم بالاستيراد والكسب من التصدير، وما يترتب على ذلك من تحقيق مقاصد الشريعة من حفظ النفس والمال والدعوة الإسلامية، بشرط أن يكون هذا التعامل وفق الضوابط التي ترسمها الشريعة، ومنها ألا يُباع ويشترى ما هو محرم في ذاته أو ما يستخدم في محاربة المسلمين.

وقد فصل الفقهاء في أحكام المعاملات المالية مع غير المسلمين بناءً على ما يترتب عليها من مصلحة أو مفسدة، وفي ما يتعلق بالمعاملة المالية مع غير المسلمين المحاربين أو المعاهدين غير المحايدين، التي نحصل بها على مباحٍ نقصد به نفع أنفسنا، إن كان هؤلاء يجنون منها أرباحًا ينفقون جزءًا منها في الإضرار بالمسلمين سواء بالقتل والتشريد في الحروب أم بإيذائهم في عقائدهم ومقدساتهم أم غير ذلك، وإن كانت السلع المشتراة في هذه الحالة أقرب إلى كماليات وليست ضروريات ولا حاجات وكانت لها بدائل من دول مسلمة أو محايدة، فحينها تكون تلك المعاملة محرمة بشكل عام والله أعلم، ويختلف الحكم في حالات خاصة.
ومفهوم المقاطعة مرتبط بالجهاد، عندما يقصد بها صد المعتدين، وتدخل في جهاد النفس بحرمانها من مكاسب مادية ومن بعض ما اعتادته بهدف إعزاز الإسلام والمسلمين، وتدخل في المصالح المرسلة.
الفكرة من كتاب المقاطعة الاقتصادية: سلاح الشعوب
تمثل العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري بين الشعوب ضرورة كبيرة للمجتمعات الإنسانية، وقد تطورت تلك العلاقات عبر التاريخ حتى أخذت شكل النظام الاقتصادي الحالي في ظل العولمة، ما يجعل الإضرار بشركاتٍ تابعة لدولة معينة يؤثر في عجلة الاقتصاد فيها، مما قد يدفعها إلى تغيير مواقفها السياسية وغيرها، والمقاطعة الاقتصادية معروفة منذ قديم الزمان على أنها وسيلة لإضعاف الخصوم، أو تعبير سلمي عن رفض لمواقف شعب أو حكومة في بلد آخر.
وفي السنوات الأخيرة تكررت دعوات المقاطعة في بلادنا، فما تاريخ المقاطعة الاقتصادية؟ وهل هي نافعة حقًّا؟ وكيف هي نظرة الشريعة الإسلامية إليها؟ وما الذي يعوقها عن تحقيق أهدافها؟ هذا ما نحاول أن نجيب عنه مع هذا الكتاب.
مؤلف كتاب المقاطعة الاقتصادية: سلاح الشعوب
عرابي عبد الحي عرابي: باحث سوري تركي، ولد بحلب عام ١٩٨٥، ونال الإجازة في الدراسات الإسلامية من كلية الشريعة في جامعة دمشق في عام 2009، وحصل على الماجستير في علم الكلام من جامعة «تراكيا | Trakya» في عام 2017، وحصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة «تشاناكالي | Çanakkale» عام 2023، وله دراسات تخصصية في الفلسفة وعلم الكلام والشؤون السياسية والفكرية، وعمل مديرًا علميًّا لمؤسسة السبيل.