عندما تنطفئ الشمس ويُحجب النور
عندما تنطفئ الشمس ويُحجب النور
سلكت الشيوعية كل السبل لمسخ الهوية الإسلامية في بلاد ما وراء النهر، وكرَّست الثروات والقوى الهائلة لنشر الإلحاد بين المسلمين وسلخهم عن دينهم حتى وضعوا أيديهم على كل مجال، فمن وسائلهم في التعامل مع الأماكن والمراكز الإسلامية أن حوَّلوا كل المساجد إلى متاحف ومسارح ومراقص وخمَّارات وأندية وإسطبلات ومستشفيات ومؤسسات أخرى، ففي تركستان وحدها أغلق ما يزيد على 26000 مسجد! ولم يختلف أمر المدارس الإسلامية عن المساجد كثيرًا، فلم يبقَ من الثلاثمائة والستين مدرسة إسلامية في بخارى مثلًا سوى خمسين مدرسة، وفي خوارزم دخل الدكتور مدرسة “محمد أمين خان” التي بُنيَت سنة 1275هـ ذات البناء الشامخ والتصميم الجميل، فوجدها فندقًا، وأخرى بجوار تلك المدرسة جعلوها دارًا للسينما!
ويبدو أن ما فعله الشيوعيون بالمساجد والمدارس الإسلامية لم يشبع جوعهم إلى الاستبداد والبطش، فحرَّقوا المصاحف والكتب حتى وُصِف مشهد الكتب التي جمعوها من بُخارَى وسمرقند بأنه كالجبال، وحظروا على الناس اقتناء المصاحف وكتب العلوم الشرعية واللغة العربية، وكان يُنكِّل بمن يمتلك أي شيء يمتُّ إلى الإسلام بصلة، وفي المقابل كثَّفوا من نشر أدبيات الإلحاد والشيوعية، كما منحوا عضوية الحزب الشيوعي امتيازات هائلة يتمتَّع بها من ينضم إلى الحزب، ولقد رافق هذا الإظلام الذي ضربوه على المسلمين ضروب من الاحتلال الثقافي العنيف، ففُرضت الروسية لغة رسمية في كل المؤسسات والمجالات، ومُجد أكابر الإلحاد والزعماء والرموز محاربي الإسلام والمسلمين هناك حتى ضجَّت الشوارع والميادين بصورهم وتماثيلهم.
أما نساء المسلمين فأذاقهن الشيوعيون الويلات، إذ منعوا النساء من الحجاب الشرعي وأقيمت الحفلات الإلزامية لحرق الحجاب، ووجهوا نساء المسلمين إلى الأعمال الشاقة، وحتى العجائز لم يرحموهم، وضيَّقوا على المشايخ وعلماء الشريعة أشد تضييق، بل وعلى أبناء المسلمين في المدارس، إذ أجبروهم على الإفطار في نهار رمضان وحاصروهم بالمناهج والمقرَّرات المتشبِّعة بالفكر الشيوعي الإلحادي، فيظل الطالب في تعليم إلزامي من عمر 7 سنوات حتى 17 سنة ثم يذهب إلى التجنيد الإجباري لعامين، ومع طغيان الشيوعية على كل مناحي الحياة يجد الآباء أنه من الصعب أن يُربَّى الابن تربية إسلامية صحيحة.
الفكرة من كتاب مشاهدات في بلاد البخاري
بعد أكثر من نصف قرن من قبضة الشيوعية على تلك البلاد، يصل المؤلف إلى بلاد ما وراء النهر كما أحب تسميتها أو “الجمهوريات السوفييتية سابقًا” عام 1412 من الهجرة، وتعد رحلته أول اختراقات السور الحديدي الذي فرضه الشيوعيون على البلاد وأهلها، استكشف فيها البلاد وله فيها مشاهدات سطرها في هذا الكتاب.
مؤلف كتاب مشاهدات في بلاد البخاري
يحيى بن إبراهيم اليحيى: ولد عام 1376 هجرية في مدينة بريدة بالسعودية، تخرج في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية من قسم العلوم العربية والاجتماعية، ثم حصل على الماجستير من قسم السيرة والتاريخ بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1408 ثم حصل على الدكتوراه من نفس القسم عام 1412 هجرية، بعنوان: “الروايات التاريخية في فتح الباري عصر الخلافة الراشدة والدولة الأموية جمع ودراسة”، وعمل أستاذًا مساعدًا بالجامعة الإسلامية ثم حصل على التقاعد المبكر.
وللمؤلف كتب أخرى منها: “إلى من ضاقت عليه نفسه”، و”مدخل لفهم السيرة”، و”أليس في أخلاقنا كفاية؟!”.