عمَر الشاب النبيل
عمَر الشاب النبيل
في عام ٢٠٠٧م، قابلت أزرا عمر بصحبة والدته، كان في الثامنة والثلاثين من عمره، مُشخَّصًا بورم عظمي خبيث في كتفه اليُسرى، مرت علاقتها معه بثلاث مراحل، ساعدته في المرحلة الأولى على اختيار المشفى والأطباء لبدء رحلة علاجه، ومن ثم بدأت المرحلة الثانية مع دورات العلاج الكيميائي المكثفة، التي زادت من معاناته، أما المرحلة الثالثة فكانت عام ٢٠٠٨م، حين عاد سرطان عمر مجددًا رغم العلاج الكيميائي والعمليات الجراحية التي أزالت أجزاءً عدة من جسده. كان لدى عمر خياران، إما الخضوع لجراحة ستتضمن إزالة مزيد من جسده، وإما الخضوع لدورة من العلاج التجريبي يمكنها إطالة عمره لبضعة أشهر فقط، فاختار عمر العلاج التجريبي، لكن سرطانه كان عنيدًا وعاد للظهور.
يسلط مأزِق عمر الضوء على فشلنا في علاج السرطان، فقد آمن عمر وعائلته بأن الأدوية التجريبية المصدق عليها من قبل “إدارة الغذاء والدواء | FDA” ستفيده، أو على الأقل ستخفف من معاناته، لكن ما لا يعلمه عمر وكثير من المرضى مثله، هو أن ٧٠% من هذه الأدوية تؤذي المرضى، وبالحديث عن مشكلة الأدوية، توجد طريقتان لعلاج مرضى سرطان الدم، الأولى هي استخدام دواء “ريفليميد | Revlimid”، وهو مخصص لـ١٠% من المرضى الذين يعانون خللًا في الكروموسوم رقم خمسة، أما الطريقة الثانية فهي للنسبة الباقية من المرضى، يستخدمون دواء “فيدازا | Vidaza” أو “داكوجن | Dacogen”، وتبلغ نسبة نجاحهما ٢٠% فقط، وهذا يعني أن ٨٠% من المرضى يخضعون للعلاج دون جدوى وبتكلفة مادية باهظة، ولو أراد الأطباء اعتماد طرائق علاج فردية فسيتعرضون للمساءلة القانونية، وهم لا يرفضون الطب المبني على الأدلة والإحصاءات، لكنهم لا يرونه كافيًا في حد ذاته حين يطبق على الأفراد مهما بلغت دقة البيانات، لذا فالتحدي هو إيجاد طريقة لمطابقة الدواء الصحيح مع حالة المريض.
وربما قد حان الوقت للتشكيك في نماذج البحث الحالية في مجال أدوية السرطان، فعلى الرغم من أن الخلايا المزروعة في المختبر ونماذج الحيوانات تساعدنا على فهم طبيعة المرض، فإنها غير مجدية حين يتعلق الأمر باختبار أدوية السرطان، فهي تختلف عن طبيعة الجسم البشري المعقدة، والأدوية الناتجة عنها تحمل عديدًا من الآثار الجانبية التي لا يطيقها المرضى، وذلك مقابل فائدة بسيطة. في النهاية تُوُفِّيَ عمر بسبب السرطان، وأصبح رقمًا ضمن نسبة الـ٩٠% من المرضى الذين يموتون للسبب نفسه، فهل خذلْنا عمر؟ هل زاد تدخلنا من معاناته؟
الفكرة من كتاب الخلية الأولى: والتكاليف البشرية لمكافحة السرطان حتى النهاية
لم تكتب أزرا هذا الكتاب خلال شبابها لافتقارها إلى الخبرة الحياتية، وعندما حصلت عليها تغيرت تصوراتها، فالمرض المميت الذي تعالجه علّمها إعادة النظر في مسلمات آمنت بها، علّمها الفرق بين عدم الشعور بالألم والشعور بالراحة، وعلى الرغم من أن القضايا العلمية ستكون عنصرًا أساسيًّا في محتوى الكتاب، فإن السبب الحقيقي الذي دفعها إلى كتابته هو مساعدة مرضى السرطان.
وافق المرضى على رواية قصصهم مع أسمائهم وصورهم الشخصية، أما عن دور أزرا في الكتاب فهو يحمل أبعادًا عدة، فهي طبيبة أورام وباحثة وزوجة ثم أرملة، تشكك في توصيات الخبراء واختيارات العائلات وحتى قراراتها الشخصية، وتطرح عدة تساؤلات، منها: هل قراراتنا مبنية على حقائق ثابتة؟ هل تفتقر الدراسات إلى الكفاءة؟ وإن لم نتمكن من توفير حياة أفضل للمرضى، فهل يمكننا ضمان نهاية أفضل؟ فعندما يتعلق الأمر بالمعاناة البشرية تندمج الدوافع العلمية والعاطفية والطبية والشعرية، فدعونا نسمح لأفكار الكتاب أن تكسر جمودنا.
مؤلف كتاب الخلية الأولى: والتكاليف البشرية لمكافحة السرطان حتى النهاية
أزرا رازا: طبيبة أورام وباحثة في مجال سرطان الدم، وهي مديرة مركز متلازمة “خلل التنسج النقوي | MDS” في جامعة كولومبيا، وساعدت أبحاثها في مجال سرطان الدم على الكشف عن عديد من ألغاز السرطان، ولها عدة أبحاث ومؤلفات منشورة، منها:
A Tribute to Ghalib: Twenty-One Ghazals Reinterpreted
ملحوظة: لا توجد ترجمة عربية لهذا الكتاب.