عملية الدمج.. من كلمات محدودة إلى جمل لا نهائية!

عملية الدمج.. من كلمات محدودة إلى جمل لا نهائية!
في بداية التسعينيات من القرن الماضي، طرح نعوم تشومسكي مفهوم عملية الدمج الذي أثار جدلًا واسعًا في بادئ الأمر في الأوساط الأكاديمية، ويعد هذا المفهوم حجر الزاوية لفهم اللغة البشرية، إذ يقدم إطارًا يُفسر الكيفية التي تُبنى بها اللغة من خلال تركيب العناصر الأصغر في وحدات أكبر. تُشير نظرية تشومسكي إلى العملية الذهنية التي تُمكّن الإنسان من دمج العناصر اللغوية الأولية -أي الكلمات- ليُنتج بها جملًا وعبارات متنوعة غير محدودة، ولا تتم هذه العملية بشكل خطي بسيط، بل تتضمن تسلسلًا هرميًّا يسمح لنا بخلق تراكيب لغوية جديدة مُعقدة، والأهم من ذلك أن هذه التراكيب تخضع لقواعد نحوية دقيقة تُحدد كيفية ارتباط الكلمات والعبارات بعضها ببعض لتشكيل جمل ذات معنًى.

على سبيل المثال، عندما نأخذ الوحدتين اللغويتين “يشرب” و”الماء” لوضعهما في عبارة، فإننا لا نضعهما جنبًا إلى جنب فقط، بل ندمجهما في وحدة لغوية جديدة تُعبر عن فعل الشرب والمفعول به الذي يُشرب، أي “يشرب الماء”، ولذلك فإننا عند سماع هذه الجملة، لا نفكر في “يشرب” أو “الماء” على حدة، بل نفهم الجملة ككل، مع إدراك العلاقات بين الفاعل والفعل والمفعول به، فمن الواضح أن نظرية الدمج لا تقدم فقط تفسيرًا لكيفية تكوين الجمل، بل تُقدم أيضًا نظرة ثاقبة لكيفية فهم الجمل وتفسيرها، كما تُظهر هذه العملية البنية الخفية للغة الموجودة في ذهن المتحدث، والمثير للاهتمام أن هذه البنية الهرمية مُشتركة بين جميع اللغات البشرية التي دُرِسَت حتى الآن، مما يؤكد فطرية اللغة.
الفكرة من كتاب لغة بلا حدود: العلم وراء قوتنا الإبداعية الأكبر
إذا سألتك عما تفعله الآن، فقد تكون إجابتك: “أنا أقرأ ملخص كتاب “لغة بلا حدود” عبر تطبيق أخضر”، أو “إنني مستغرق في قراءة ملخص كتاب على أخضر”، أو “إني أطالع تلخيصًا لكتاب عن اللغة على هاتفي”، توجد مئات.. بل ملايين الجمل التي يمكن استخدامها للتعبير عن هذه الفكرة المفردة، ومعظمها لم يسبق لنا سماعه أو استخدامه، فما الذي يمكّننا من توليد هذا الكم الهائل من الجمل بشكل طبيعي دون تعلمها صراحةً؟
الحقيقة أن الإجابة عن سؤال كهذا ليست بالأمر البسيط أبدًا، وللوصول إليها علينا أولًا أن نمر بسلسلة طويلة من الأسئلة الأكثر تعقيدًا: كيف نتعلم اللغة؟ أو كيف نفهمها؟ وكيف يتعامل العقل مع الكلمات والجمل؟ وهل يمكن لأي من أنظمة التواصل الأخرى الموجودة أن تتطور وتصل إلى تعقيد اللغة البشرية؟ يجيب كتابنا عن هذه الأسئلة ويثير في أذهاننا مزيدًا من التساؤلات، من خلال عرضه الموجز لأهم الأبحاث والنظريات اللغوية التي طُرحت خلال المئة سنة الأخيرة.
مؤلف كتاب لغة بلا حدود: العلم وراء قوتنا الإبداعية الأكبر
ديڤيد أدجر: أستاذ اللسانيات في جامعة كوين ماري بلندن، شغل منصب رئيس جمعية اللسانيات البريطانية السابع عشر، ويُعد خبيرًا في دراسة أصول اللغة وقواعدها وطرائق تعلمها، وقد ألف كتابًا آخر يتعمق في هذه المواضيع تحت عنوان “Core Syntax: A Minimalist Approach”
ملحوظة: لا توجد ترجمة عربية لهذا الكتاب.