عملة التبادل الاجتماعي
عملة التبادل الاجتماعي
نحن منسجمون كليًّا مع أحكام عقول الآخرين، وتدل انفعالاتنا من إحراج وخوف وقلق وغيرها على إرشادنا للتعامل مع المواقف، إذ يُعد الاحمرارُ خجلًا علامةً مهمةً تدل على إدراك المرء خطأه واعترافه به، فهي ضمانة صدقنا وأننا لسنا متلاعبين ولا مشاغبين، وشكل من أشكال الاعتذار والاسترضاء تُظهر أن الشخص منزعج من موقِفه، وأنه قد يُثبت جدارته في وقت لاحق.
فما نسعى إليه دومًا في تعاملاتنا هو أن نُشعر من حولنا بمصداقيتنا وكفاءتنا، فنحصل بذلك على ثقتهم ودعمهم، أي أننا نحاول إدارة انطباعاتهم عنا، وللحصول على ثقة شخص ما يجب أن نحافظ على انطباع جيد لمدة طويلة، وهو ما يسمى “السمعة”، إذ إنها انطباع يصمد مع اختلاف الزمان والمكان، ومن ثم نسعى جاهدين للحصول على سمعة جيدة.
وفي ظل سعينا الحثيث وراء المصداقية والسمعة، نجد أن اكتساب أفضل سمعة يعتمد على التوازن بين أساسين هامين هما الطيبة والسيطرة، أو بمعنًى آخر هما الخيرية والكفاءة، وهنا تكمن الصعوبة، فمن السهل أن تكون طيبًا، ولكن كيف يمكن أن تكون طيبًا وفي الوقت ذاته مسيطرًا؟
يختلف حكم الناس عليك باختلاف صورتك، فإذا عجزت عن الظهور طيبًا فقد يشعرك ذلك بالذنب، أما إذا فشلت في أن تكون مسيطرًا وكفئًا ماهرًا فمن المرجح أن تشعر بالعار والاشمئزاز، فإذا رآك الآخرون دافئًا غير كفء فستثير شعور الشفقة لدى الذين يمتلكون الحافز لمساعدتك، أما إذا رآك الآخرون كفئًا غير دافئ فستثير الحسد والاستياء وقد تدفع الآخرين إلى معاداتك، أما إذا لم تكن هذا ولا ذاك فستثير الاشمئزاز والازدراء وما يتبعه من إحساس بالنبذ، وإذا كنت تحظى بكليهما فهذا يعني أن لديك أفضل سمعة، وستثير الإعجاب والفخر.
لذا عليك أن تكون حذرًا بشأن ما تفعل، واعلم أن آراء الناس لها سطوةٌ كبيرةٌ على فعلك، إذ هم من يمنحونك السمعة، فسواءٌ كانت أخلاقك طيبةً أم شريرة فلن تكون ذا قيمةٍ إن كنتَ قابعًا في برجٍ عاجي بعيدًا عن البشر، فلا أحد يبني سمعته وهو منعزل.
الفكرة من كتاب الأحكام، قيمة أن يساء فهمك
هل سبق أن تعرضت لحكم مجحفٍ فاستشطت غيظًا وضيقًا، وشعرت بالحرج أو الذنب أو العار؟ وهل انتابتك حالة من الاضطراب والرغبة في الاختفاء؟ وهل تشعر أن هذا يمس سمعتك وشرفك؟ ومن ثم تتساءل مليًّا عما إذا كان من الممكن التواصل مع أحدهم فيراك على حقيقتك، لا على ما يريد هو أن يراه؟ ثم تُعمِل عقلك قليلًا وتتأمل في ماهية الحكم، ومن أين نستمد معاييرنا للحكم على الأشياء بالصواب والخطأ؟
نحن نسمع ترانيم الصباح وصوت زقزقة العصفور، فنتمنى لو استطعنا الانفكاك والهروب والتحليق كالعصافير والطيور، فهل هذا ممكن؟ ما الذي نبحث عنه؟ وما جدوى كل هذا؟
يحاول الكاتب الإجابة عن تداعيات تلك الأفكار، تاركًا لك مساحةً من التأمل والاستبيان، منطلقًا من أننا جميعًا حيوانات اجتماعية، لن ننفك ولو للحظةٍ عن إصدار وتلقي الأحكام -كما فعلت بالضبط فور رؤيتك لعنوان الكتاب- فنخوض في مشاعر الألم الاجتماعي، وسبب شعورنا بها، والسمات الأساسية للأحكام الاجتماعية، ومدى إمكانية الانفكاك عن المجتمع وعيش عيشةٍ هانئةٍ مستقلة، وأخيرًا، هل نجيد الإصغاء حقًّا؟ وهل يمكن لنا أن نروي قصصنا كما هي؟
مؤلف كتاب الأحكام، قيمة أن يساء فهمك
زياد مرار: كاتب ومؤلف، ولد عام 1966م في العراق، وفي العاشرة من عمره انتقل إلى لندن، وحصل على شهادة البكالوريوس في علم النفس في جامعة إكستر، كما أنهى درجة الماجستير في الفلسفة وعلم النفس من كلية بيركبيك، ويشغل منصب رئيس النشر في مؤسسة “سيدج”، وله كتب عدة تجمع بين اهتمامه بعلم النفس والفلسفة من بينها:
Deception.
The Happiness Paradox.
Intimacy: Understanding the Subtle Power of Human Connection.
معلومات عن المترجم:
أحمد سمير درويش: تخرج عام 2014م في كلية الهندسة جامعة السويس، لكنه سرعان ما اكتشف شغفه بالترجمة، فعمل مترجمًا حرًّا لدى بعض المؤسسات، ويعمل حاليًّا لدى مؤسسة هنداوي في وظيفة مترجم أول، وترجم عديدًا من الكتب، مثل:
الثقوب السوداء.
رجال عدالة قرطبة.
وسط أجراس الخطر.