علي مبارك وإصلاح التعليم
علي مبارك وإصلاح التعليم
تقلَّبت حياته بين الشقاء والنعيم، فيومًا يرضى حاكم فيرفعه ويضمه ويومًا يسخط عليه آخر فيخفضه ويكسره، فإذا طُرد من وظيفته اشتغل بالأعمال الحرة وتصميم المنازل، ويومًا غضب عليه سعيد باشا فألحقه بالفرقة الحربية لإعانة الدولة العثمانية في حربها، فلقي في الأستانة العَنت لكن رجع منها متعلمًا التركية، وظلَّ على حالته تلك حتى بدأ عصر الخديوي إسماعيل فكان عهد نماء وبركة عليه؛ فقد عُهد إليه بإنشاءات عمرانية كثيرة، والأهم من هذا أنه أخذ على عاتقه إصلاح التعليم بكل وسيلة ممكنة مستغلًّا طموحات إسماعيل الكبيرة.
صيَّر علي مبارك المدارس من ثكنات عسكرية ذات نظم صارمة ومحصورة في القاهرة والإسكندرية إلى ثقافة شعبية متاحة للجميع في كل محافظة، وأحسن الهيئة المزرية للكتاتيب وجعلها تحت الإشراف الحكومي وحوَّل الكبيرة منها إلى مدارس، وأنشأ برامج لتحمل نفقات التعليم، كما استجلب من الأزهر صفوة علمائه لتدريس علوم العربية والشريعة وبعض العلوم الدينية كالجغرافيا والحساب، وأساتذة من المدارس العليا للطب والهندسة والعلوم الأخرى، وكان يشرف بنفسه -وهو وزير المعارف- على تعليم التلاميذ وتهذيبهم وتوجيه معلميهم، ومنع الشتم القذيع والضرب العنيف، وارتقى أيضًا بالحياة الثقافية؛ فأقام محاضرات يحضرها من يشاء ويحاضر فيها أساتذة متنوعين في الفقه والأدب والفلك والتاريخ وغيرها، وأنشأ مجلة “روضة المدارس المصرية”، وتولى تحريرها رفاعة الطهطاوي، وأنشأ كذلك دار الكتب، وشجع حركات التأليف والترجمة، وكان له منها نصيب وافر مثل كتاب “الخطط التوفيقية” الواصف للقاهرة ومرافقها.
ولما قامت الثورة العرابية لم يشارك فيها ولم يعارضها، وإن دعمها أحيانًا، فهو ملتزم بالطاعة للخديوي؛ وقد اتُّهِم لذلك غير أنه لم يكن يرى سوى التعليم وإصلاحه ولا شأن له بالسياسة، ثم ضيَّق الاحتلال الإنجليزي الخناق عليه وفرضوا عليه القيود الكثيرة؛ فالتزم بيته حتى مات.
الفكرة من كتاب من زعماء الإصلاح
هذا عرض سريع لحياة أربعة من الرجال المجددين، كان لجهودهم صدًى واسع وأثر عميق في نقل مجتمعهم نقلات جذرية، فمن تصفية العقيدة ودحض البدعة بفضل محمد بن عبد الوهاب، إلى نهضة تعليمية كبيرة على يد علي مبارك، إلى خطيب الثورة العرابية ومجدد الأدب عبد الله النديم، ثم تنبيه من الكواكبي عن طبائع المستبدين وأحوال البلاد والعباد.
مؤلف كتاب من زعماء الإصلاح
أحمد أمين: وُلد في حي المنشية بالقاهرة عام ١٨٨٦، وتُوفي عام ١٩٠٤، وتدرَّج في التعليم من الكتَّاب إلى الأزهر إلى مدرسة القضاء الشرعي، وعُيِّن لنبوغه مدرسًا بها في سن مبكرة ثم عمل قاضيًا في عدة محاكم شرعية، ثم اختاره طه حسين للتدريس في كلية الآداب وحصل منها على شهادة دكتوراه فخرية، وكان ميَّالًا إلى الإضافة والتجديد ويرفض الجمود والتصلب.
من مؤلفاته:
– سلسلة موسوعة التاريخ الإسلامي.
– سلسلة فيض الخاطر.