على خطى الجيران.. ماذا في جعبة العلماء للأسواق؟
على خطى الجيران.. ماذا في جعبة العلماء للأسواق؟
منذ القرن الثامن عشر والتحول الصناعي في أوربا لم يتوقف؛ هجر الناس الريف إلى المدن، وكانت رؤوس الأموال المتراكمة تحفز هذا التحول، لم تكن سويسرا رائدة أو مشاركة في هذا الهيجان، وعندما قرر رجال أعمالها المشاركة في الثورة الصناعية، رأوا أن التقليد سيكون مُربحًا وفعالًا في البداية، لم يعبأ السويسريون بقوانين المِلْكية الفكرية، لكنهم لم يستمروا طويلًا في طور التقليد، استورد رجال الأعمال السويسريون الآلات الأوربية وحسّنوها، وسَرعان ما أدركوا أن بيع هذه الآلات سيكون مُربحًا أكثر من استخدامها، كانت هذه النقلة الأولى إلى عصر الابتكار السويسري، ولم يكتفِ الجيل الجديد بمجرد النسخ، لكنهم فهموا عيوب الآلات القديمة، وبدؤوا في تقديم تصميمات تنافس نظيراتها البريطانية.
وفي أواخر القرن التاسع عشر، كانت سوق الآلات في سويسرا قد تشبعت، وأصبحت المنافسة فيها غير مربحة، وكانت الدول الأوربية تعاني من نتائج الحرب، ورفع الضرائب أضر بالمصنِّعين المحليين، أدرك السويسريون أن عليهم التوجه نحو أسواق جديدة، ورغم حالة الركود وعدم الثقة التي سادت أوربا بعد الحرب العالمية الثانية، كانت سويسرا هي الوحيدة التي استثناها الجميع، لقد لعبوا على جميع الحبال، واستفادوا من مهاجري الطرفين، أنتجت ثقافة الحياد السويسرية أسواقًا احتكرها السويسريون، وشكلت تلك المصائب العالمية فرصًا لم يتوانوا عن اقتناصها.
إذا كان الحديث عن القطاع الأكثر ربحية، الذي يشكل أكبر عائد للاقتصاد السويسري، فهو قطاع الصيدلة والكيماويات بلا شك؛ مع نهاية القرن التاسع عشر، أصبحت للعقاقير والتجارِب المختبرية تطبيقات عملية، وتنبه التجار سريعًا إلى فرص الربح الهائل من هذه الكيماويات، غير أن هذه المنتجات لا تزاحم أي بضائع أخرى، إنها تخلق سوقًا جديدة بمجرد ابتكارها في المعامل، نعم كان علماء القرن العشرين هم من يتحكمون في حركة التجارة العالمية، رافقت ابتكار تلك الأصباغ اختراعات أخرى في قطاع الأدوية، كانت بقية أوربا عمياء عن كل هذا، ثم نشأت الشركات السويسرية المتخصصة في مستحضرات التجميل، في سوق لم تحظَ سابقًا بأي شيء مشابه لما سوف تجلبه هذه الشركات معها.
الفكرة من كتاب صناعة سويسرية: القصة غير المروية لنجاح سويسرا
كان وضع سويسرا قبل الثورة الصناعية ومستقبلها في وسط أوربا مشكوكًا فيه طوال الوقت، بلد يفتقر إلى الكثير من مقومات الحضارة، ليس لديه ثروة طبيعية يُمكن الاعتماد عليها، سلاسل جبلية تقف عائقًا أمام أي اتصال حقيقي، وتفقد البلاد الكثير من ميزات موقعها الاستراتيجي.
ربما كان غياب الهدف وانعدام الأمل في المستقبل هو ما أسس لمجتمع سويسرا الريادي؛ لا وجود لتوجيهات أو حواجز، ولا رؤية عامة تحدد اتجاه الاقتصاد، أو رعاية حكومية تستهدف قطاعات معينة، يسرد لنا المؤلف تاريخ هذه الرحلة، ويجيب عن السؤال الأهم: هل مستقبل سويسرا الريادي ملهم كماضيها؟
مؤلف كتاب صناعة سويسرية: القصة غير المروية لنجاح سويسرا
آر جيمس برايدنج: كاتب ورجل أعمال سويسري، حصل على شهادة الماجستير من كلية كينيدي بجامعة هارفارد، أسس شركة “رينيسانس كابيتال” الاستثمارية في زيورخ، كتب عديدًا من المقالات حول سويسرا لدى جريدة “ذي إيكونوميست”، وشارك في تأليف كتاب “سويسرا معجزة الاقتصاد”.
عن المترجم:
بسمة الجويني: مترجمة ومعلمة لغة عربية تونسية، وحاصلة على درجة الماجستير في الترجمة.