على حافة الانهيار
على حافة الانهيار
بسبب جرعة زائدة من المضاد الحيوي “جنتامايسين” أُصيبت شيريل شيلر بتلف جهازها الدهليزي -الجهاز المسؤول عن توازن الجسم والقابع في الأذن الداخلية- فصارت تقع كلما حاولت المشي ولا تستطيع الوقوف من دون مسند، وفقدت إحساس قدميها بالأرض، كما أن رؤيتها مشوشة ومهزوزة لفقدان الارتباط بين جهازيها الدهليزي والبصري، وكانت نسبة التلف تزيد على ٩٥٪ أي إن حالتها ميئوس منها حسب وجهة النظر التقليدية السائدة، لكن عندما التقت شيريل العالمَ باخ واي ريتا تغير كل شيء!
ابتكر ريتا آلة تشبه قبعة الجنود في الجيش، تحتوي بداخلها جهازًا يسمى المعَجِل (accelerometer)، يرسل إشارات إلى شريط بلاستيكي ذي أقطاب كهربية موضوع على لسان شيريل، وترسل هذه الآلة إشارات توازن من اللسان إلى الدماغ، فعندما تتحرك شيريل إلى الأمام تنطلق دفقات كهربية من مُقدمة اللسان تخبر الدماغ باتجاهها، وعندما تميل إلى الخلف تشعر بموجات الكهرباء تنبعث من مؤخرة لسانها، وهي الآن تستطيع المشي لأول مرة منذ خمس سنوات دون أن تقع.
المثير في الأمر أن الإشارات من اللسان يُفترض أن تواصل طريقها نحو القشرة الحسية، لكنها بجانب ذلك اتخذت ممرًا جديدًا إلى المنطقة التي تعالج التوازن في المخ! والأعجب من ذلك أن “شيريل” استطاعت الوقوف لمدة بعد نزع القبعة، وهو ما يُسمى بالتأثير الثُمالي (المتبقي)، ومع تكرار العملية تضاعفت مدة التأثير الثُمالي من دقائق إلى ساعات إلى عدة أشهر! لقد استعادت “شيريل” توازنها، وكان تفسير ريتا لهذه المفاجأة أن الجهاز التالف لديها كان يرسل رسائل عشوائية تعيق وصول الإشارات من الأنسجة السليمة، وساعدت الآلة على تقوية الإشارات الصحيحة بفتح ممرات جديدة لها في الدماغ، وهذا الحدث أحد تطبيقات اللدونة العصبية الذي يُعد ريتا أحد روادها ومفسريها.
الفكرة من كتاب الدماغ وكيف يطوِّر بنيته وأداءه
لا تزال نظرية الدماغ غير المتغير مسيطرة على مجتمع علماء الأعصاب منذ عهد ديكارت، الذي تعامل مع الدماغ على أنه مستقبِل سلبي للمحيط الخارجي، ونتج عن ذلك النظر إلى الدماغ كآلة محكمة الدوائر؛ كل جزء فيها يؤدي وظيفة محددة لا ينفك عنها، والاعتقاد بأن حالات العجز الناشئة عن تلف دماغي لا يمكن شفاؤها.
لكن نورمان دويدج في هذا الكتاب يرصد قصصَ نجاحٍ واقعية باهرة لشفاء مثل تلك الحالات بتطبيقات اللدونة العصبية؛ وهي قابلية الدماغ للتغيير والتعديل عن طريق قيام خلايا سليمة بالوظائف التي كانت تؤديها الخلايا التالفة، وهو ما يعتبره المؤلف ثورة في مجال علم الأعصاب، ونترك للقارئ حرية التأييد أو الانضمام إلى صفوف المشككين في القدرات الخارقة للدونة العصبية.
مؤلف كتاب الدماغ وكيف يطوِّر بنيته وأداءه
نورمان دويدج Norman Doidge: محلل وطبيب نفساني كندي، درس الكلاسيكيات الأدبية والفلسفة، والطب في جامعة تورنتو، ثم انتقل إلى نيويورك وحصل على شهادة في التحليل النفسي من جامعة كولومبيا، ثم زمالة المعهد الوطني لبحوث الصحة العقلية لمدة عامين، للتدريب على تقنيات العلوم التجريبية. وبعد عودته إلى وطنه عمل رئيسًا لمركز العلاج النفسي وعيادة التقييم في معهد كلارك للطب النفسي. حصل دويدج على جائزة ماري سيغورني عن كتاباته العلمية حول اللدونة العصبية وأبحاثه في التحليل النفسي.
من أبرز مؤلفاته:
The Brain’s Way of Healing
The Brain that Changes Itself
Neustart im Kopf: Wie sich unser Gehirn selbst repariert
معلومات عن المترجمة
رفيف غدار: مترجمة، ترجمت كتبًا مهمة منها: “الإلمام بالحقيقة”، و”علم الفراسة”، و”فن الاسترخاء”.