علوم متعلقة بالطب
علوم متعلقة بالطب
لم تكن الصيدلة والعقاقير علمًا ذا أصول ومبادئ يقاس عليها إلا في الحضارة الإسلامية، وقد جذب علم العقاقير انتباه علمائها، ومن إسهاماتهم المدوَّنة فضلًا عن المترجمات: “معجم النبات” لأبي حنيفة الدينوري و”الصيدلة في الطب” للبيروني، وكان ابن البيطار والأصمعي رائدي علم النباتات، وقد تحولت المهنة في عهد المأمون إلى نظام الحسبة، فأصبحت تجارة الأدوية وصناعتها تحت رقابة متخصصة من الدولة.
ووضع الرازي أسسًا لتحضير العقاقير وكشف الغش فيها وبدائلها، وقسمها إلى أربعة أنواع: معادن، ومواد نباتية، ومواد حيوانية، ومواد مولَّدة (مشتقات)، واستعمل الصيادلة وسائل مبتكرة لتحضيرها، لا يزال بعضها مستعملًا إلى الآن، مثل التقطير والتنقية والتشميع والتسامي والتصعيد والترشيح والتبلُّر، ومزجوا الأدوية بالسكر والعسل ليُستساغ طعمها.
ولم يغفل المسلمون علم الحيوان، بل اهتموا بالبيطرة وعلاج أمراض الحيوانات، كما استفادوا من تشريح الحيوان كتشريح مقارن لجسم الإنسان ومعرفة علل الحيوانات وخصالها، وكان ابن البيطار أشهر بياطرة المسلمين على الإطلاق حتى التصق اسمه بهذا العلم، وعنى المسلمون أيضًا بالطيور الجارحة كونها أدوات مهمة للصيد، ووصفوا في كتبهم الصقر والشاهين والبازي ومنه سُمي علم الطير باسم “البيزرة”، والذي يحترف المهنة “بيزار” ويُنادي أحيانًا “صاحب الصيد”.
وإذا انتقلنا إلى علم الوراثة الذي يظن كثيرون أنه من العلوم الحديثة التي لم تعرف إلا من عهد قريب، نجد أن علماء المسلمين كان لهم قصب السبق في معرفة أساسيات هذا العلم والبحث فيه، وأوَّل من استخدموا مصطلح “القيافة” الذي يعتني بتشابه الخصائص الخِلقية والخُلقية بين أبناء النسل الواحد، ومارسوا التهجين والانتقاء الوراثي في الحيوانات لتحسين النسل، وبحثوا في الحكمة من ترغيب الشرع في الزواج من غير الأقارب الذي يؤدي إلى قوة الذرية، كما توصلوا إلى المعارف الأولية التي كانت نواة لوصف طبيعة انتقال الصفات الوراثية السائدة والمتنحية في العلم الحديث.
وعرف المسلمون الطفيليات، وتكلم ابن سينا عن الديدان المعوية وأعراضها، وكشف عن الديدان المستديرة التي أعاد دوبيني الإيطالي اكتشافها تحت اسم الانكلستوما عام 1838، كما اكتشف الفلاريا المسببة لداء الفيل ووصف أعراضه.
الفكرة من كتاب قصة العلوم الطبية في الحضارة الإسلامية
بلغت الحضارة الإسلامية في عصورها الذهبية مبلغًا أذهل الأعداء قبل الخِلان، وضربت بسهم وافر في شتى المجالات الإنسانية في زمن قياسي، لم تحظَ به أي حضارة أخرى ولا حتى الحضارة الغربية المعاصرة التي طغت منجزاتها المادية على رصيدها الروحي والأخلاقي، وكان التقدم الهائل في العلوم الطبية أحد مظاهر ازدهارها البارزة، والذي كان انطلاقًا دينيًّا في الأساس وتطبيقًا جمعيًّا لما حث عليه الشرع من التداوي وانتقاء الأكفاء لذلك، رغم ما يتبادر إلى الذهن من تعلق الطب بالجسد وحفظ الحياة الدنيا، فقد كان مظهرًا لتحقيق مقاصد الشريعة من حفظ العقل والجسد والنسل والدِّين كذلك.
مؤلف كتاب قصة العلوم الطبية في الحضارة الإسلامية
راغب السرجاني: طبيب بشري وأستاذ جامعي وكاتب، وداعية إسلامي مهتم بالتاريخ والحضارة، ومؤسس موقع قصة الإسلام، وُلد في المحلة الكبرى بمحافظة الغربية عام 1964، وتخرج في كلية طب قصر العيني، ثم نال درجتي الماجستير والدكتوراه في جراحة المسالك البولية.
أنجز كاتبنا الكثير من المشاريع التاريخية والدعوية، وحاز جوائز كثيرة منها: جائزتا المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وأفضل كتاب مترجم إلى اللغة الإندونيسية.
من أبرز مؤلفاته:
ماذا قدم المسلمون للعالم.
فن التعامل النبوي مع غير المسلمين.
قصة الأندلس من البداية إلى السقوط.