علم سياسة الشعوب
علم سياسة الشعوب
عادةً ما تختصُّ الدراسات الأصيلة في علم النفس بالنزعة الفردية، فهي تسلِّط الضوء على البنيان النفسي للفرد والشخصية الإنسانية وسماتها النفسية والعواطف والانفعالات، بيد أن الإنسان مدني بطبعه ولا يعيش منعزلًا في كهوف الجبال، فهو يتفاعل مع غيره من بني جنسه وفق دوائر من جماعات المصالح المتعددة، وقد أثبتت الملاحظة العلمية أن ثمة اختلافًا نفسيًّا يحدث عندما يجتمع عدد من الأفراد، حيث تذوب تلك الشخصيات الفردية الجزئية في شخصية كلية تعبِّر عن المجموعة ككل، وقد تتباين في سماتها عن الشخصيات الفردية المكوِّنة لها.
من هنا كان علم النفس الاجتماعي، هو العلم الذي يدرس هذا التفاعل الحاصل بين الفرد من جهة ومجتمعه من الجهة الأخرى، فهو يتأمل عملية دمج الإنسان في مجتمعه المحيط بوصفه فردًا متأثرًا بأفراد آخرين، إلى أن تطور بعد ذلك ليشمل دراسات الجماعات المختلفة كالطوائف العرقية والطبقات الاجتماعية والأقليات الدينية وجماعات الرأي والمصالح المختلفة، وتهدف تلك الدراسات إلى الكشف عن القوانين الاجتماعية المُسيِّرة لتلك الجماعات والتنبؤ بردود أفعالها واستجابتها مستقبلًا ومن ثمَّ التحكم بها، فهو علم سياسة الشعوب كونه يتعرَّض لمسائل من قبيل التربية والفلكلور الشعبي والرأي العام ومخاطبة الجماهير.
ولذا يعتمد الباحثون في المجال على الإحصائيات والتقارير وعمل المقابلات والاستبيانات الاجتماعية، والملاحظة العلمية لاتجاهات الرأي العام، وكذلك استخدام المقاييس النفسية المتنوعة إلى غير ذلك من الوسائل المختلفة، الأمر الذي يصبح معه من الصعب جدًّا تجاهل مثل هذا العلم لا سيما وهو يتعرض لظواهر مجتمعية خطيرة تتعلَّق بالاقتصاد والأيديولوجية والسياسة وتشكيل الهوية، إضافةً إلى الاضطرابات المجتمعية المختلفة كاستلاب الرأي العام وتضليله، وكذلك الاضطرابات الفئوية والمظاهرات والعنف المجتمعي، بل يصل نطاق بحثه أيضًا إلى حدِّ الفتن الطائفية والشائعات والهياج الشعبي والثورات والحروب النفسية وإفشال الدول.
الفكرة من كتاب سيكولوجية الجماهير
“إن الأسياد المتوارين الذين يسيطرون على أرواحنا يقاومون أي محاولة للإطاحة بهم، ولا يستسلمون فقط إلا للاستهلاك البطيء الذي يتم عبر القرون”.
تعدُّ الجماهير أشبه ما تكون بسيل منهمر يستحيل الوقوف في طريقه، ولكن من الممكن ترويضه والاستفادة من قوته الغاشمة، وعلى ذلك فمن يستطِع الوصول إلى تلك القوى النفسية الخفية في توجيه الشعوب والجماهير فقد امتلك بذلك مصاير الشعوب بيده، ذلك أن الأمم مُسيَّرة بتلك الموروثات من مشاعر وأخلاق واحتياجات وطبائع وشهوات وأوهام، وهذا ما يحاول المؤلف سرده في هذا السِّفر العظيم.
مؤلف كتاب سيكولوجية الجماهير
غوستاف لوبون : طبيب ومؤرخ فرنسي، وواحدٌ من أشهر المؤرخين الأجانب الذين اهتموا بدراسة الحضارات الشرقية والعربية والإسلامية، ولد في مقاطعة نوجيه لوروترو، بفرنسا عام ١٨٤١م، وقد درس الطب، وقام بجولة في أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا، واهتم بالطب النفسي، وأنتج فيه مجموعة من الأبحاث المؤثرة عن سلوك الجماعة، والثقافة الشعبية، ووسائل التأثير في الجموع، ما جعل من أبحاثه مرجعًا أساسيًّا في علم النفس، وقد تُوفِّيَ في ولاية مارنيه لاكوكيه، بفرنسا 1931م.
من مؤلفاته: “حضارة العرب”، و”روح الثورات والثورة الفرنسية”، و”روح الجماعات”، و”السنن النفسية لتطور الأمم”، و”روح الاجتماع”.
معلومات عن المترجم:
هاشم صالح: كاتب ومفكر ومترجم سوري، وُلد في العام 1950، أنهى مرحلة دبلوم الدراسات العليا بجامعة دمشق كلية الآداب، وعمل بعدها معيدًا في كلية الآداب جامعة حلب بسوريا، ونال منحة دراسية لدرجة الدكتوراه إلى جامعة السوربون، كما ناقش رسالة الدكتوراه عام 1982 عن الأدب والنقد الأدبي العربي، وله العديد من المؤلفات منها: “مدخل إلى التنوير الأوروبي”، و”الانسداد التاريخي”.