علم الفلسفة الجديد
علم الفلسفة الجديد
يتعيَّن علينا للخروج من الحرفية الفلسفية التي لا تولِّد إلا التبعية، أن نطوي طور تحصيل المقاصد والأغراض الفلسفية، وننتقل إلى الطور التالي وهو الاشتغال بتعليل تلك الأغراض والمقاصد، من خلال الوقوف على العلل المختلفة التي أنتجتها، وذلك من خلال إنشاء علم جديد هو “علم القول الفلسفي”.
حيث ينقسم “علم القول الفلسفي” إلى قسمين: الأول “التعليل السببي” الذي يتعلق بسياقات أو ظروف إنتاج هذا القول، وتدخل تحته الدراسات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتاريخية والسياسية، أي علوم المقاصد؛ والثاني “التعليل الآلي” الذي يتعلَّق بآليات وأدوات إنتاج القول الفلسفي، وتندرج فيه الدراسات اللسانية والبلاغية والمنطقية والحجاجية والكلامية والأصولية، أي علوم الآلات.
وبما أن الفعل ملازم للقول في المجال الإسلامي، وجب الانتقال إلى طور ثالث، وهو الاشتغال “بعلم الفعل الفلسفي” الذي يكشف العلل التي تحدِّد أفعال وتصرفات الفيلسوف، وينقسم هذا العلم الثاني إلى قسمين: الأول “التعليل السببي” الذي يتعلق بالبواعث التي تؤثر في حصول الفعل الفلسفي، والثاني “التعليل الآلي” الذي يتعلق بأدوات إنتاج الفعل الفلسفي، ومن خلال “علم الفلسفة” الجديد، نستطيع أن نقوم بالتفلسف المبدع والمستقل، وليس مجرد الاقتصار على تحصيل أغراض المقالات الفلسفية كما فعل فلاسفة الإسلام قديمًا أو المتفلسفة المحدثين.
والإحاطة بعلم الفلسفة يكشف لنا أسرار التقنية في القول الفلسفي والفعل الفلسفي معًا، ويُرجى من وراء ذلك العلم الجديد إنشاء فلسفة إسلامية من داخل الدين لا خارجه، ولكن يجب التفريق بين المكون المعياري والمكون الإشاري فيه، ومن الأمثلة على ذلك “تقنية الترجمة”، حيث تتم الترجمة الفلسفية وفق أشكال ثلاثة: (الترجمة التحصيلية) حيث مقابلة اللفظ باللفظ، و(الترجمة التوصيلية) حيث مقابلة المعنى بالمعنى، و(الترجمة التأصيلية) وهي التي تدرأ آفة الحرفية اللفظية والحرفية المعنوية في الترجمة.
الفكرة من كتاب من الإنسان الأبتر إلى الإنسان الكوثر
تعرضت مفاهيم تربوية كثيرة وأحكام دينية للتحريف والتحوير، حتى أصبح المُسلم المعاصر يُسلِّم بوعي أو دون وعي للمفاهيم الحداثية (العَلمانية) أو (العلموية) وغيرهما، وبناءً على ذلك يرى طه عبد الرحمن بوجوب قطع الصلة بذهنية “الإنسان الأبتر” مقطوع العطاء، معطل الإرادة، المنقطع عن تراثه ولغته ودينه، وإنشاء ذهنية “الإنسان الكوثر” كثير الخير، دائم العطاء، المتواصل مع تراثه ولغته ودينه، وذلك عن طريق تأسيس نظرية “فلسفية تربوية إسلامية” تقوم على العقل المؤيد الموصول بالشرع، والمسدد بمقاصده الشريفة، الناتجة عن تفاعل اللغة والعقيدة في عقل المسلم، واضعة نصب أعينها أن كل منقولٍ حداثي مُعترَض عليه حتَّى تُعاد صِلته بالحقيقة الدينية.
مؤلف كتاب من الإنسان الأبتر إلى الإنسان الكوثر
الفيلسوف المغربي المجدد طه عبد الرحمن، متخصِّص في علم المنطق وفلسفة اللغة والأخلاق، أحد أبرز الفلاسفة والمفكرين منذ سبعينيات القرن الماضي، كتب عشرات الكتب، منها: “العمل الديني وتجديد العقل”، و”سؤال الأخلاق”، و”روح الحداثة”، و”بؤس الدهرانية”، وغيرها.