علم الفراسة
علم الفراسة
يقول ابن مسعود: أفرس الناس ثلاثة: العزيز حين رأى يوسف فقال لامرأته ﴿أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾، وابنة شعيب حين قالت لأبيها في موسى ﴿اسْتَأْجِرْهُ﴾ وأبو بكر حين استخلف عمر بن الخطاب.
إن حقيقة الفراسة هي معرفة الأمور الباطنة عن طريق أمارات ظاهرة يدركها المتفرس بجودة ذهنه، وشفافية قلبه وحسن فطنته وما يفتح الله عليه في هذا العلم، وقد نبه العلماء أن للمؤمن فِراسة خاصة يلقيها الله في قلبه نورًا يفرق به بين الحق والباطل ويرى ما لا يراه غيره، وهذه ليست المقصودة في هذا الكِتاب، بل ما يريد الكاتب الوصول إليه هو ذلك العِلم المتقاطع مع علوم مادية أخرى قابلة للتعلم والتعليم، يعرف به الإنسان من الأمور الخلقية للشخص خُلُقه وحقيقة حاله وسريرته.
فيعرف الرازي الفراسة بأنها “الاستدلال بالأحوال الظاهرة على الأخلاق الباطِنة”، ويقال في اللغة تفرس في الشيء أي نظر وتثبَّت فيه.
وقد قال الله تعالى في كتابه عن المؤمنين: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾، وقوله في المنافقين: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ ۚ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾، أي: فلعرفت حقيقة باطنهم بعلامات ظاهرة فيهم، ولتعرفنهم فيما يبدو من كلامهم الدال على مقاصدهم.
ومما تعتمد عليه مادة هذا الكِتاب أصول الطب القديم في أن الإنسان يتركَّب من أخلاط وأمزجة وأركان، وأن معرفة طبيعة الإنسان ومزاجه الخاص يساعد على تفرُّسه.
ويجب عليك أن تفرِّق بين علم الفراسة وغيره من الأشياء المشابهة غير المبنية على أساس علمي كقراءة الكف لمعرفة المستقبل من السعادة والحزن والغنى والفقر، والتشاؤم والتطيُّر بالشامات والعلامات، ففي هذا نتذكر قول الله تعالى: ﴿وَمَا تَدرِي نَفسٌ مَّاذَا تَكسِبُ غَدًا﴾، وقد قال الأعشى قديمًا: “فانظر إلى كفي وأسرارها .. هل أنت إن أوعدتني ضائري؟!”.
الفكرة من كتاب الفراسة
علم الفراسة من العلوم التي اشتهر بها المسلمون، وهو علم الفطنة والذكاء وقوة الملاحظة وجودة الذهن وقوة الحفظ، ينفذ به الرائي من خلال علامات ظاهرة إلى باطن النفوس ويجلي حقيقتها.
إننا لا ننفكُّ عن مخالطة الناس والتعامل معهم، فهذا تبدو عليه علامات الخير، وذاك يضمرُ الشر، وهذا نافعٌ وذاك مؤذٍ، ولما كانت معرفة حقيقة أمرهم شيئًا نافعًا جليلًا، ظهر هذا العلم وكان هذا الكتاب.
مؤلف كتاب الفراسة
فخر الدين محمد بن عمر الرازي، المعروف بفخر الدين الرازي أو ابن خطيب الريّ، ولد سنة 544 هـ في قرية الرّيّ، وتوفّي عام 606 هـ في مدينة هراة. هو إمام مفسر وفقيه أصولي، عالم موسوعي امتدت بحوثه ودراساته ومؤلفاته من العلوم الإنسانية اللغوية والعقلية إلى العلوم الطبيعية في: الفيزياء والرياضيات والطب، والفلك.
وقد بلغ الرازي في العلم مكانًا عظيمًا، فكان إذا ركب مشى في ركابه مئات التلاميذ والفقهاء، حتى لقب بـ “شيخ الإسلام”، وقد خلف تصانيف كثيرة في كل فن، منها: التفسير الكبير “مفاتيح الغيب” الذي جمع فيه ما لا يوجد في غيره من التفاسير، و “المحصول” في علم الأصول و”المطالب العالية” و”تأسيس التقديس” في علم الكلام، و”نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز” في البلاغة، و”الأربعين في أصول الدين”، و”كتاب الهندسة” وغيرها كثير.