علاقة الوحي بالصوفيين والإسلام
علاقة الوحي بالصوفيين والإسلام
العلم الذي يحصل لا بطريق الاكتساب والتعلم وحيله الدليل ينقسم إلى : ما لا يدري العبد كيف حصل له ومن أين حصل، وإلى ما يطلع معه على السبب الذي منه استفاد ذلك العلم وهو مشاهدة الملك الملقى في القلب، والأول يسمى إلهامًا ونفثًا في الروع، والثاني يسمى وحيًا وتختصُّ به الأنبياء، والأول تختصُّ به الأولياء والأصفياء، فلا فرق بين الوحي والإلهام في شيء إلا في مشاهدة الملك المفيد للعلم، فإن العلم إنما يحصل في قلوبنا بواسطة الملائكة، وميل أهل التصوف إلى هذه العلوم الإلهية دون التعليمية ويتأتَّى بِالمُجاهدة ومحو الصفات المذمومة وقطع العلائق كلها والإقبال على الله بهمَّة خالصة.
الناظر بين مذهب الفلاسفة والصوفية من تخالف يحس بأن منشأه أن الأولين أخذوا يفسرون النصوص الدينية بما يوافق ما استقر عندهم من نظام الكون وترتيب العوالم سفليًّا وعلويًّا، فهم يجعلون الملائكة التي وردت في لسان الشرع عقولًا مجردة ونفوسًا فلكية أثبتتها فلسفتهم ويُؤولون النصوص تأويلًا يتفق مع أغراضهم، والصوفية يعتمدون أولاً على النصوص الدينية، ويحاولون مبلغ جهدهم أن يشرحوا مبهمًا، ويوفقون بين ظواهر التضارب بينها مضطرين إلى الركون إلى منازع الفلسفة، وإلى ما يسمونه ذوقًا تقصر عنه العبارة ويدركه العارفون، فهم أقل إمعانًا في التأويل وأقل وضوحًا.
يرجع لفظ الإسلام إلى معنى الطاعة والخضوع وهو بمعنى خضوع المؤمن لله، وهذه الطاعة الإرادية تكون في الظاهر والباطن، والرشد هو الهدى والفلاح، وهو الذي يهدي إليه القرآن من تصديق خبر الله وامتثال أمره، ويرى اللغويون أن إسلام مصدر أسلم لازمًا كان أم متعديًا فهو صالح للدلالة على كل ما يدل عليه الفعل من المعاني السالفة، وإطلاق الإسلام بمعنى الاستسلام ظاهر باللسان والجوارح، مع إطلاق الإيمان على التصديق بالقلب فقط، وبذلك يكون الإيمان والإسلام مختلفين، فالإسلام هو التسليم بالقلب والقول والعمل كما ذكرها الغزالي والإيمان تصديق بالقلب فيكون الإيمان أخصَّ من الإسلام.
الفكرة من كتاب الدين والوحي والإسلام
من المؤلم غاية الألم أن ترتكب الجرائم باسم الإسلام وباسم شريعته السمحاء نوافذ العمليات المدمرة مع صيحات التهليل والتكبير، ودعوى الجهاد والاسترشاد في سبيل الله، الأمر الذي استغله بعد ذلك الغرب والمستشرقون في تشويه صورة الإسلام، وتقديمه للعالم بحسبانه دينًا همجيًّا متعطشًا إلى سفك الدماء وقتل الأبرياء وأنه يحرِّض أبناءه وأتباعه على العنف والكراهية والأحقاد، وقد تصدَّى الأزهر الشريف لهذه الهجمات أشد تصدٍّ للبناء عن طريق الجمع بين الوحي والدين والإسلام.
مؤلف كتاب الدين والوحي والإسلام
الشيخ مصطفى عبد الرازق، ولد بمحافظة المنيا بمصر، تعلَّم القراءة والكتابة، والتحق بالأزهر الشريف فيما بين العاشرة والحادية عشرة من عمره، له مؤلفات عدة منها: “فيلسوف العرب”، و”الإمام محمد عبده”، و”الإمام الشافعي”، و”تمهيد الفلسفة”.