علاقة الشفافية بالمكر والجمال
علاقة الشفافية بالمكر والجمال
أشار الفيلسوف الحكيم نيتشه إلى أهمية المكر باعتباره أفضل من القوة فضلًا عن كونه لا يُساوي الحقد، لكن ما علاقة هذا بالشفافية؟ إن المكر يتميَّز بمرونته عن القوة، وكذلك بالشفافية الذاتية التي تجعل صاحبها غير متوقَّع التصرفات أو الظهور على نحو دائم، وفكرة الإخفاء وحدها تحوِّل التأويل والتفكير إلى علم إغوائي يجذب الباحث عنه، ومحاولة اكتشاف ذلك العلم تحدث لأنه مثير للمتعة، ونصل هنا إلى أن الشفافية بحاجة إلى الغموض ولو كان خادعًا!
وبحسب والتر بنيامين، فإن الشفافية ليست وسيطًا للجمال، إذ يتمثَّل الجمال في وجود الشيء في غطائه، ويتطلَّب ما يخفيه، كما أن الجمال العاري لا يحتفظ ببقائه وسموِّه، أما في العري غير الكامل للإنسان فهناك الجمال السام، وإن العرض المرتبط بالشفافية كما يحدث في وسائل التواصل المتنوعة كعرض الإنسان لجسده، هو نوع من البورنوغرافيا مرتبط بالرأسمالية التي تحول كل شيء حتى الإنسان نفسه إلى سلعة.
ومن وسائل العرض كذلك التصوير الفوتوغرافي الذي له عنصران مهمَّان، يُسمى الأول “الاستديوم stadium” ويتعلق بالمجال الواسع للمعلومات، كما أنه مرتبط بالرغبة الفاترة والذوق غير المتناقض وينتمي إلى صيغة الانجذاب (to like) وليس الشغف (to love)، ويفتقر إلى القوة والعاطفة، أما العنصر الثاني فيُسمى “البونكتوم punctom” وهو المُفعم بالمشاعر كالألم والقلق، وعن الصور الفوتوغرافية المتوحِّدة كالصور الصحفية مثلًا فهي من نوع الاستديوم، وأيضًا البورنوغرافيا التي بدورها تفتقر إلى أي قدر من الخصوصية والخفاء، إذًا فالشفافية من هذا النوع فاحشة، لأنها لا تحتفظ بشيء مغطى أو مخفي.
الفكرة من كتاب مجتمع الشفافية
“أعيش فقط على ما لا يعرفه الآخرون عني”، هكذا يقول الأديب بيتر هاندكه، ، ثم نرى المفكر نيتشه يدعو إلى ضرورة امتلاك الإنسان لإرادة الجهل، حتى ولو بهدف اتخاذ القرار الأفضل، ولكن أي جهلٍ يقصده هنا؟ وما علاقة كل هذا بالشفافية التي أصبحت عنوان عصرنا الحالي حيث ينكشف هذا المقدار الضخم من المعلومات أمام وسائل التواصل والتكنولوجيا الحديثة، وأصبح البشر فيه كالزجاج الشفَّاف يتجرَّدون شيئًا فشيئًا من صفاتهم المُثلى! هذا ما يوضحه الكاتب في هذا الكتاب.
مؤلف كتاب مجتمع الشفافية
بيونغ تشول هان Byung-Chul Han: فيلسوف وكاتب، وُلِد في كوريا الجنوبية، يعمل أستاذًا في جامعة برلين للآداب، تُظهر أعماله تأثره الكبير بمدرسة فرانكفورت، وهي مدرسة للنظرية الاجتماعية والفلسفية النقدية في مدينة فرانكفورت الألمانية.
ومن أهم أعماله:
إنقاذ الجمال.
ما هي السلطة؟
طوبولوجيا العنف.