علاقة السببية والحرية والحقيقة
علاقة السببية والحرية والحقيقة
ترى الماركسية أن العلاقة بين الأسباب والمسببات علاقة حتمية، بحيث إذا وجد السبب فلا بدَّ من تحقق النتيجة في عقبها؛ يبغون من وراء ذلك نفي وجود “العلة الغائية” التي تشير إلى السبب الحقيقي (الله)؛ بينما نعلم بالدليل القاطع، أنه لا يمكن أن يتمخَّض شيء من العدم إلى الوجود، أو يتطور من حال إلى حال إلا بموجب مسبب دفعه إلى الوجود أو التطور، فإننا لا نملك في المقابل أي دليل على حتمية العلاقة بين الأسباب ومسبباتها، وبالتالي لا توجد ضرورة خارج نطاق ما يقضي به مسبب الأسباب (الله).
كما يرى الماركسيون أنهم يملكون الحقيقة المطلقة التي يفسرون بها قصة الكون بكامله، وذلك من خلال اعتمادهم على القانون الثاني للديالكتيك “تحول الكم إلى كيف”، فيزعمون بأن تراكم “المعارف النسبية” تمكِّننا من استخلاص الحقائق المطلقة، فكل مرحلة من مراحل تطور العلوم تُعد درجة في سُلم الوصول إلى الحقيقة المطلقة، ونقض زعمهم هذا كامن في اعترافهم بأن معارفهم كلها “معارف نسبية”، وبناءً على ذلك لا يمكن بأي حال التوصل إلى الحقيقة المطلقة من خلال تراكم المعارف النسبية، بسبب عدم العلم بالحقيقة المطلقة والجهة التي تقع فيها، وفي حال فرضنا -جدلًا- أن تراكم المعارف النسبية تصل بنا إلى الحقيقة المطلقة، فما الذي يمنع أن تكون المعارف النسبية التي يملكها غير الماديين توصل هي أيضًا إلى الحقيقة المطلقة؟! وبالتالي يثبت بطلان زعمهم، بأن تراكم المعارف النسبية يوصل إلى الحقيقة المطلقة.
الفكرة من كتاب نقض أوهام المادية الجدلية (الديالكتيكية)
تكمن خطورة المادية الجدلية -مثلما يرى البوطي- في انبهار ذوي الثقافة المحدودة بها وانجذابهم إليها بعيدًا عن مقتضى العقل ورقابته الموضوعية الواعية، فدُعاة الشيوعية يقدِّمونها للناس على أنها واقع الكون والحياة الإنسانية الذي لا سبيل إلا الخضوع لها، والعلاج من هذا الانبهار والانجذاب إلى تلك الفلسفة يكمن في الرجوع إلى الفكر والعقل، فمن خلال العقل والمنطق الموضوعي سنجد أن المادية الديالكتيكية تتعارض بشكلٍ فجٍّ مع حقائق ووقائع التاريخ، كما أنها تخالف في كثير منها مقتضى العقل، بالإضافة إلى تعارضها مع العلم.
مؤلف كتاب نقض أوهام المادية الجدلية (الديالكتيكية)
الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي: عالم سوري، وأحد علماء الإسلام الأفذاذ، له عشرات الكتب في علوم الشريعة، والآداب والتصوُّف والفلسفة والاجتماع، كما أن له كتبًا في نقد الإلحاد والفلسفات المادية، ومن مؤلفاته: “كبرى اليقينيات الكونية”، و”اللامذهبية أخطر بدعة تهدِّد الشريعة الإسلامية”، و”حرية الإنسان في ظلِّ عبوديته لله”.