عظمة التربية في العصر المملوكي
عظمة التربية في العصر المملوكي
منذ عام 648 هجريًّا حتى عام 923 هجريًّا بدأ عصر جديد وهو عصر الدولة المملوكية، الذي مرت فيه بلاد مصر والشام والحجاز بنقلة حضارية لا يمكن التغافل عنها، رغم السلبيات التي واجهتها الرعية من المؤسسات الحاكمة في تلك الأقاليم، ولم يُحدث المماليك تطورًا في التربية الإسلامية، بل حرص المماليك على التمسك بالشريعة والتقاليد الماضية، والمحافظة على شأن طبقة العلماء كما هي، ولم ينسَ ذاك العصر الأطفال وأهميتهم، فنجد في هذا العصر العلامة ابن خلدون يُخصص في مقدمته الشهيرة فصلًا عنونه بما يلي: “الشدة على المتعلمين مضرةٌ بهم”، ووضح الأثر السلبي المترتب على التعامل مع الصبيان بالقسوة والقهر، وشبه الأخلاق التي يكتسبها الصبي الذي تم تربيته على القسوة بأخلاق اليهود، وحذَّر أيضًا من الضرب المُفرط على الأولاد، إلا أنه وُجد بعض الآراء الفقهية التي نادت بجواز الضرب إن كان هناك مصلحة مترتبة عليه.
واهتم الأمراء ببناء المدارس والإنفاق عليها من خلال الأوقاف، فمن أشهر هذه المدارس: مدرسة ابن القواس، وأدى ذلك إلى نشر العلم والثقافة في المدن الكبرى كمصر والشام، وبناء المدارس لم يكن حكرًا على الدولة، فمن أشهر واقفي المدارس في العصر المملوكي من غير طبقة الحكام رئيس التجار بمصر، ناصر الدين محمد البالسي؛ صاحب المدرسة المسلمة بالفسطاط، فكان كثير الصدقات على الفقراء، وأفرد لمدرسته مالًا، واشترط أن يكون فيها مدرس مالكي وآخر شافعي، ومؤدب أطفال، والحق أن العصر المملوكي كثرت فيه المدارس بصورة واضحة، فلم تكن تخلو أي مدينة أو قرية من المدارس والمكاتب الموقوفة.
ولم يكن النظام التربوي في العصر المملوكي منحصرًا فقط على علوم الشريعة، واللغة، أو البلاغة، لكن اهتم المجتمع المماليكي بتعليم وتثقيف الأبناء على حب العلوم العقلية كالطب والهندسة، ولقد ذكر الطبوغرافي عبدالقادر النعيمي الدمشقي في موسوعته الدمشقية “الدارس في تاريخ المدارس” أن عدد الكليات والمدارس القرآنية في دمشق في القرن التاسع وأوائل العاشر الهجري كانت 7 كليات، وعدد كليات الحديث الشريف 16 كلية، وعدد الكليات الطبية الكبرى 3 كليات، تخرج فيها كبار علماء ذلك العصر كابن النفيس، ومهذِّب الدين بن الدخوار، هذا في دمشق ثاني مدينة في العصر المملوكي بعد القاهرة عاصمة السلطنة، فكيف كان حال مدارس وكليات القاهرة إذن؟
الفكرة من كتاب كيف ربَّى المسلمون أبناءَهم.. رحلة في تاريخ التربية الإسلامية
هذه رحلة في تاريخ التربية الإسلامية حيث يبدأ الكتاب بسرد هدي النبي (صلى الله عليه وسلم) وخلفائه الراشدين في تربية وتعليم الأطفال ليتدرَّج بعد ذلك إلى مراحل التربية في الحضارة الإسلامية من أموية وعباسية ومملوكية، ثم في المغرب والأندلس، ليوضِّح هذا الجانب المهم من جوانب الحضارة الإسلامية، بل الداعم الأساسي الذي قامت عليه النهضة الإسلامية، وكل ذلك يؤكد أن التقدم الحضاري والمعرفي لهذه الأمة كان وفق مشروع تربوي عظيم أسهم بصورة موازية للمشاريع الحضارية الأخرى في الارتقاء والازدهار والتقدم الإسلامي.
مؤلف كتاب كيف ربَّى المسلمون أبناءَهم.. رحلة في تاريخ التربية الإسلامية
محمد شعبان أيوب: باحث في التاريخ والتراث والحضارة الإسلامية، مؤلف وكاتب صحفي، وعمل بمركز الحضارة للدراسات التاريخية، وله العديد من المؤلفات، منها:
رحلة الخلافة العباسية.
دولة المماليك.
بيري ريس أمير الحرب والبحر.