عصبية ابن خلدون
عصبية ابن خلدون
تُبنى نظرية ابن خلدون في فلسفة التاريخ على مفهوم العصبية الذي تقوم عليه الدولة في مراحلها المختلفة، فهي كالكائن الحي يولد وينمو ثم يهرم ويفنى، كما أن لها عمرًا مثله، وتعني العصبية الالتحام بين الأقارب والقبائل والعشائر على أساس رابطة الدم والولاء، يدفع للمناصرة والمطالبة بالملك، وعلى أساس العصبية تمرُّ الدولة بمراحل عمرها المختلفة، فحينما تكون العصبية في بدايتها شديدة تظفر بالمُلك وتستولي عليه قهرًا وانتزاعًا، ثم تدخل في طور الاستبداد والانفراد بالحكم، بعدها يُدبُّ الفساد فيها، وتضعف العصبية، فتدخل في طور الفراغ والدعة، وأخيرًا تصل إلى مرحلة الهرم بسبب الإسراف والتبذير والظلم، فتنهار الدولة.
وتنطبق هذه النظرية في وقتنا على بعض الدول والأحزاب والتكتُّلات والجيوش، إذا ما تقوَّت الرابطة الهدفية بينهم، واتحدوا حولها للتصدي لخطر مشترك، لكن هذه العصبية أقوى ما تكون إذا تأسَّست على الدين الذي يُذهِب التنافس والتحاسد بين أهل العصبية ويوجِّه كل الجهود إلى وجهة مناصرة الحق، فالدين بذلك يُهذِّب العصبية، وينقِّيها من عناصرها السلبية، ويعزِّز عناصرها الإيجابية، ويضفي عليها استدامةً أكبر، فتعزيز العصبية إذًا يحتاج أن يتجاوز عصبية النسب إلى الالتحام الاجتماعي والروحي، وما يُقال على الدول يصحُّ على التنظيمات والأحزاب، فهي تبدأ بفكرة يتجمَّع حولها مجموعة من الناس يسعون لنشرها بأقصى قوة ممكنة، فإما أن تتحقَّق الأهداف، وإما أن تدخل الحركة في طور الهِرَم، ويصبح تاريخها عبئًا يضعها تحت مطرقة التساؤل دائمًا حول ماذا أنجزنا طيلة هذه المدة؟
الفكرة من كتاب فلسفة التاريخ: الفكر الاستراتيجي في فهم التاريخ
يُعدُّ التاريخ الأداة الرئيسة والمنطلق الطبيعي لفهم الحاضر، فالتاريخ ليس مجرد عمل سردي يتتبَّع تطور الإنسان والمجتمعات والنظم فحسب، بل هو مع ذلك كله سجل العبر والعِظات لمن أراد أن يتفكَّر في أحوال الأمم السابقة، أو يتدبَّر السنن التاريخية التي جرت عليهم، والصيرورة التي قامت بها الحضارات وازدهرت، ثم ضعفت، فانتكست، وفلسفة التاريخ هي ذلك العلم والفن المعني باستخلاص مجموعة القواعد التاريخية التي تنبني عليها النظم والمجتمعات، وهو لذلك يقدِّم حزمة لا يستطيع أي مهتم بفهم التاريخ والحضارة وسنن الله في الدول والشعوب أن يتجاهلها، أو يرفض التسلُّح بما تقدمه مدارسها المختلفة من تفسيرات وحقائق لدورات التاريخ والحضارة.
مؤلف كتاب فلسفة التاريخ: الفكر الاستراتيجي في فهم التاريخ
جاسم سلطان: طبيب ومستشار، قطري المولد، درس الطب في القاهرة في فترة السبعينيات، هنالك عاصر الصحوة الإسلامية في الجامعات، بعدها عاد إلى قطر ليمارس العمل المجتمعي خلال فترة التسعينيات وحتى بداية الألفية الثانية، وخلال هذه الفترة شغل عدة مواقع إدارة منها: مدير المجموعة القطرية للتعليم والتدريب، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة «بيت الخبرة» للتدريب والتطوير، ثم ترك الطب وتفرَّغ للعمل الفكري والتأليف؛ فألَّف مجموعة كتب ضمن مشروع النهضة: سلسلة أدوات القادة.
من مؤلفاته: «التراث وإشكالياته الكبرى: نحو وعي جديد بأزمتنا الحضارية»، و«النسق القرآني ومشروع الإنسان: قراءة قيمية راشدة»، و«أزمة التنظيمات الإسلامية: الإخوان نموذجًا»، و«حيرة سؤال القدر»، و«من الصحوة إلى اليقظة: استراتيجية الإدراك للحراك».