عش ودع غيرك يعيش.. سطو في اللا وعي
عش ودع غيرك يعيش.. سطو في اللا وعي
وأسوأ ما يجنيه الأديب أو الكاتب على نفسه هو اشتغاله بالنقد، أو إنزال الأوساط الأدبية له في هذه المكانة، ولماذا يُجشِّم الأديب نفسه قراءة كتب لا يريدها، وما المطلوب من الناقد إذا كان نقده يجعل الأفواه تُرْغِي وَتُزْبِد؟ فإذا كان المطلوب هو كيل المديح والإعلان عن الكتاب، فالأولى بالناشر والكاتب أن يتوجها إلى أصحاب هذه الصناعة مُباشرةً، ويتركا الأدباء وحالهم، وقد راجت هذه الصناعة، وحاز أصحابها من الطرائق والأساليب ما يُميزهم عن النقاد في قدرتهم على استدراج القارئ وترويج البضاعة ولو كانت راكدة، فما الذي يُرغم الناشرين والأدباء فيجعلهم صفوفًا مُتلهفة على أبواب النقاد؟
ونال المازني من مثل هذا الضجيج، فقد كان المُنتظر من النقاد أن يكونوا كباعة الشوارع الجوالة، فيُغرقوا تلك الكتب المُهداة إليهم بالمديح والاستحسان، لكن إذا تجرأ من مثل المازني وأشار إلى مجرد زلة هنا أو هَنَة هناك قامت الدنيا، وجاءت تُهم النيات الخبيثة والحقد الدفين من كل حدب، وهذا لاعتقاد هؤلاء المؤلفين أن المديح يُدني منهم غايتهم، فكأنما هذا الأدب وظيفة أو صفقة يتوسطون بهؤلاء النقاد إليها، والأجدر بهم ألا ينخدعوا بهذا الثناء، وأن يشكروا هذا النقد والتوجيه، وأدرك المازني الأجدر به كذلك، فترك هذه السوق وأهلها.
وقد قل أن توجد فترة في حياة المازني الأدبية دون أن يخرج نص من تحت قلمه يثير اللغط والمشاغبة، حتى حين نفض يديه من النقد، تابعه عمله الأسود في التأليف، فعندما خرجت روايته “إبراهيم الكاتب” إلى الجمهور، فاجأته الأفواه التي تتهمه بالسرقة، وما يدري المازني ماذا سرق وكيف، حتى رأى جريمته، فوجد أن القوم صادقون في ما ادعوا، وأنه قد خط دون أن يشعر خمس صفحات من رواية كان هو أيضًا من ترجمها، لشدة تأثره بهذه الرواية وانطباعها في نفسه وعقله، ووجد المازني أن الإنكار لن يُغير شيئًا، فلن يعبأ القراء إن كان هو السارق أم لا وعيه.
الفكرة من كتاب العمر الذاهب: رحلة المازني المعرفية من القراءة إلى الكتابة
هذه السيرة ليست كما اعتدنا من سير الأعلام والكتاب، فقليل من الأدباء من يمتلك هذه الصراحة التي لم يتحرج المازني من بثها في جميع مقالاته، فنراه كثيرًا ما يتطرق إلى كتابته، فيذكر ندمه على كثير مما كتب وتعجبه من إشادة القراء بما يكتب، ثم هل يجرؤ كاتب في بداية القرن العشرين أن يُصرح بعدم فهمه للفلسفة؟ ومعرفته لفضل أساتذته وأقرانه حتى من باعد الخلاف بينه وبينهم؟ وإنك على مدار الكتب لتجد من هزله ما تحسبه جدًّا، ومن فكاهته ولا مبالاته وسخريته ما يُحيرك، فلا تخلط هذا بذاك، وتوخَّ المعنى البعيد الذي تكشفه طريقته في المبالغة وفهمك لطبيعة شخصيته.
وقد تحرى مُعد هذا الكتاب أن تكون جميع المقالات حول ما اتصل بالقراءة والكتابة وشؤونهما في مؤلفات المازني، فيكون الكتاب أقرب إلى تصنيف الأدب وأشبه بسيرة ذاتية تصف أحوال صاحبها وتعكس روحه وتتتبع آراءه وتجربته.
مؤلف كتاب العمر الذاهب: رحلة المازني المعرفية من القراءة إلى الكتابة
إبراهيم عبد القادر المازني: شاعر وأديب وصحفي، وُلد المازني عام 1889م بمحافظة القاهرة، بعد تخرجه في المدرسة الثانوية رغب المازني في دراسة الطب، لكنه عدل عنه إلى الحقوق ثم انتهى به الأمر في مدرسة المعلمين، اشتغل بالتدريس بعد تخرجه، لكنه ضاق بقيود الوظيفة وآثر الصحافة، عُرف عنه أسلوبه الساخر الرشيق الذي ينتمي إلى السهل الممتنع، كما كان بارعًا في الإنجليزية ونقل عديدًا من أشعارها إلى العربية. من مؤلفاته:
صندوق الدنيا.
حصاد الهشيم.
عود على بدء.
رواية إبراهيم الكاتب، بجزئها الثاني: إبراهيم الثاني.
معلومات عن المُحرر:
عبد الرحمن بن حسن قائد: نال درجة الماجستير في الدراسات الإسلامية، ثم حصل على الدكتوراه، قرأ على طائفة كبيرة من العلماء في مختلف الفنون ولازم بعضهم وحفظ جملة من المتون العلمية، عمل أستاذًا للحديث وعلومه في المركز العلمي لتعليم القرآن والسنة بجدة (تحت إشراف جامعة أم القرى)، كما شارك في مشروع آثار ابن تيمية وابن القيم والشنقيطي والمعلمي الذي أشرف عليه الشيخ العلامة بكر أبو زيد رحمه الله، عمل محققًا ومراجعًا ومصححًا من سنة 1423م حتى اليوم.
من تحقيقاته:
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة لابن القيّم.
الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب لابن القيّم.