عشق الترف الذاتي
عشق الترف الذاتي
في زمن الفردانية يفرض منطق حب الظهور نفسه، حيث لم يعد يهم عرض الثروة، بل الأهم الظهور أكثر شبابًا وإبراز الجمال ومفاتن الجسد، ويشهد لذلك المبيعات الكثيرة لمنتجات العناية بالبشرة، ومستحضرات وأدوات التجميل، إلى جانب العناية بالصحة واللياقة البدنية، والتردُّد على مراكز العناية، وعشرات الآلاف من عمليات التجميل؛ فقد أصبح الجميع يحارب علامات التقدُّم في السن والزيادة في الوزن.
كانت الطبقات المتوسطة والشعبية – في السابق- تنظر إلى الترف وتقول: ليس لنا؛ أما الآن ومع الثقافة الاستهلاكية، فقد أصبح الحق في الترف مطلبًا للجميع كحق ديمقراطي، وبالتالي زادت علاقة الإنسان بالأشياء، وأصبح الترف بعد أن كان من الكماليات، صار من الضرورات، وأصبح الشباب مفتونين بالاستهلاك والحصول على الماركات، قائلين: لم لا يكون الترف لنا؟
كان الترف قبل الحداثة متعلقًا بالرجال، حيث كان القادة في المجتمعات البدائية من الذكور هم من يشاركون في مبارزات الكرم والتفاخر، وفي العصر الروماني كان الترف الخاص مكروهًا ومنبوذًا، في مقابل تعظيم الترف العام، وكان الترف الخاص بالنساء كوضع مساحيق الزينة مدانًا ومستنكرًا، إذ كان يعد من قبيل الخداع والتخفِّي، وحتى أواخر العصور الوسطى كان الذكر هو معيار المظهر.
لكن في عصر الحداثة تم “تأنيث الترف”، فأضحت الموضة إلهةً وليس إلهًا -كما صرَّح بذلك جروناي- ففي القرن الثامن عشر حدث انقلاب تاريخي، حيث أصبحت الموضة مؤنَّثة، فالنزوات والملابس الغريبة أضحت متعلقة بالنساء، فخزانات الملابس النسائية ممتلئة بأضعاف ما تمتلئ به خزانات الملابس الرجالية، ولم يعد تقسيم المظاهر المكلفة مقتصرًا على الطبقات الاجتماعية وحسب، بل أيضًا بين الجنسين، حيث صارت المرأة عبارة عن (فاترينة للرجل)، كما أصبحت واجهة ثروة الأب والزوج.
وخرج الجمال الأنثوي من كونه فتنة وسلاح الشيطان، وأصبح أداة التمجيدات الإطرائية، وبعد أن كانت المرأة “ديكور الرجل”، فإنه مع دخول الرجل مرحلة الاهتمام بالموضة، والمظهر الجمالي، ووضع مستحضرات التجميل الرجالية، أصبحت الموضة تتمتَّع بالدمقرطة، وتقلِّص الفارق بين الرجل والمرأة، وفي خلال مدة زمنية -كما يرى جيل- فإن الترف سيتوقف عن كونه نسائيًّا فقط، لكن مع ذلك ستكون المرأة هي المهيمنة على سوق الترف والاستهلاك لأن الخيال والتنوع يجدان طريقهما دائمًا في الموضة النسائية لأن الموضة إذا كانت شغفًا بسيطًا للرجال، فهي مرض النساء!
الفكرة من كتاب الترف الخالد.. من عصر المقدس إلى زمن الماركات
شهد الاقتصاد خلال الفترة الأخيرة توسعًا كبيرًا لسوق الترف، والذي قُدِّر عام 2000 بحوالي 90 مليار يورو، فبعد أن كانت المنتجات الفاخرة مقصورة سابقًا على الفئة البرجوازية رفيعة المقام، نزلت تدريجيًّا إلى الشارع، وأصبحت في متناول الجميع، وصار الهدف الرئيس للمجموعات الكبرى فتح الترف في وجه أكبر عدد ممكن من الناس، وتولَّدت علاقة بين الإنسان المعاصر والمنتجات الباهظة، وصارت الماركة على الملابس أهم من المنتج نفسه!
مؤلف كتاب الترف الخالد.. من عصر المقدس إلى زمن الماركات
جيل ليبوفتسكي ، فيلسوف وعالم اجتماع فرنسي، له عدد من الدراسات والبحوث في نقد الحداثة وما بعد الحداثة والعولمة والرأسمالية النيوليبرالية، وتفكيك بِنى المجتمعات الاستهلاكية، له مؤلفات عديدة، منها: “مملكة الموضة”، و”المرأة الثالثة”، و”الترف الخالد”، و”الشاشة العالمية”، وأفول الواجب”.
إلييت رو أستاذة بكلية IAE للأعمال في جامعة بول سيزان بفرنسا، وباحثة متخصِّصة في العلامات التجارية، لها أكثر من 60 مقالة علمية عن الثقافات والنجاح وإدارة العلامات التجارية الفاخرة.