عجلة الحرب تدور
عجلة الحرب تدور
آتت خطبة البابا أوربان الثاني في مجمع (كليرمون) أكلَها، فخلال الأشهر التي تلتها لم يكن بيت في أوروبا إلا ويستعد للحرب، وطارت القلوب نحو البلاد التي تفيض لبنًا وعسلًا، والخلاص الأخروي الموعود، ونُسِجَت الصلبان فوقت أزياء المقاتلين في جيش الرب استعدادًا للحملة المقدسة، ورغم كل هذه المشاعر الدينية الجيَّاشة فقد نستغرب أن يكون المسيحيون الشرقيون أنفسهم هم أول ضحايا هذه الحرب التي حملت اسم الرب لتخليصهم من معاناتهم!
تحدَّد موعد الحملة الأولى ليكون في منتصف أغسطس من العام 1096 ليتسنَّى لهم الاستعداد وجمع التمويل اللازم، وأن يكون مكان تجمع الجيوش في القسطنطينية، لكن ما إن جاء ربيع نفس العام وحصد الفلاحون محاصيلهم الزراعية، حتَّى ضاق بهم الصبر وانطلقوا في حملات شعبية بغير إمرة الكنيسة أو الأمراء، وفي طريقهم الطويل الذي قطعوا فيه القارة الأوروبية وصولًا إلى القسطنطينية عاثوا في الأرض فسادًا كشف عن الوجه القبيح للحملة المقدَّسة، وأزهقوا أرواح أربعة آلاف مسيحي في مدينة “سملين” البلغارية، ولم تسلم منهم القسطنطينية نفسها، الأمر الذي دفع بالملك البلغاري والإمبراطور البيزنطي إلى مقاتلتهم، ووقعوا في النهاية في كمين أعدَّه لهم الأتراك السلاجقة.
في هذه الأثناء كانت الاستعدادات على أشدِّها لتجهيز الحملة الأولى، وتجمَّعت لها خمسةُ جيوش على رأسهم أمراء أوروبا الأقوياء، هذه الأعداد الغفيرة أصابت الإمبراطور بالدهشة، ونجح في السيطرة على أمراء الجيوش، بالترغيب تارةً وبالترهيب تارةً، ووقعت أول مدينة مسلمة تحت الحصار الصليبي، هي مدينة نيقية عاصمة سلاجقة الروم التي استسلمت في النهاية للإمبراطور البيزنطي، وكانت هذه البداية فقط.
لم يعطِ المسلمون الحملة الصليبية الأولى حقها من التقدير، واعتبرها السلاجقة مجرد حملة بيزنطية معتادة يمكن صدها، ليدفع المسلمون ثمن تفرقهم وتشرذمهم الطويل في شكل ثلاث إمارات صليبية في قلب العالم الإسلامي: في الرُّها، وأنطاكيَّة، ومملكة بيت المقدس؛ الهدف المعلن للحملة والتي مات أوربان الثاني قبل أن تصله أخبار الاستيلاء عليها، وفي شكل مذابح سُفِك فيها من دماء المسلمين أنهارٌ حتى بلغ الدمُ ركبةَ الفارس.
الفكرة من كتاب ماهية الحروب الصليبية
عندما نذكر الحروب الصليبية، فنحن لا نتحدث عن حرب انتهت بانتصار أحد الطرفين ثم طواها التاريخ، إنما نتحدث عن حرب استمرت مائتي سنة ولا يزال أثرها باديًا حتى اليوم.
هذا الكتاب يرصد ويناقش الأيديولوجيا التي حرَّكت جيوش أوروبا في حربها الطويلة ضد المسلمين، وكيف قاوم المسلمون الأخطار المحدقة بهم، وما الآثار طويلة المدى التي خلَّفتها الحرب على المسلمين؟
مؤلف كتاب ماهية الحروب الصليبية
الدكتور قاسم عبده قاسم: (1942 – 2021) مؤرخ ومترجم مصري، حاصل على الدكتوراه في تاريخ العصور الوسطى، وعضو الهيئة الاستشارية للمركز القومي للترجمة، له مؤلفات مهمة مثل: “أهل الذمة في العصور الوسطى”، و”بين الأدب والتاريخ” وغيرهما، إضافةً إلى ترجمة العديد من الكتب مثل: كتاب “تأثير العرب على أوروبا العصور الوسطى”.