عبد هناك حر هنا
عبد هناك حر هنا
من الأوضاع التي عندما جاء الإسلام رعاها وضبطها أيضًا هو وضع العبيد أو الرِّق، وهو نظام إنساني اقتصادي وفيه مصلحة متبادلة في حال كان هذا التبادل منضبطًا بقوانين وشرع حاكم، فهو من قديم الأزل يعدُّ قوامًا اقتصاديًّا للعالم وللعرب جميعًا، لكنه مر بمراحل عدة كل مرحلة أسوأ مما قبلها، فقد كان يُعتمد على العبيد في الأزمنة القديمة كزمان الفراعنة مثلًا في بناء الحضارة وتشييد المنشآت العمرانية، أما عند اليونان فعلى الرغم من أن العبيد كانوا أكثر سكان المدينة فإن السادة على قلّتِهم كانوا يحتقرونهم أيما احتقار، وكانوا يعتبرونهم جزءًا من الممتلكات الخاصة يتصرَّفون فيهم كما يتصرَّفون في متاعهم!
وأما عن حال العبيد عند الرومان فلم يكن لهم حال أصلًا أو حقوق شرعية، فكانوا أذلاء مهانين يُباعون ويُشترون كالأنعام والمتاع، بل ويجوز في حقهم القتل!
أما عن مصادر الاسترقاق فقد تعدَّدت، فهناك الأَسر بسبب الحروب وغَلَبَة قوم على قوم، وهناك القرصنة وهناك خطف المسافرين والمواطنين الآمنين أيضًا من سكان الشواطئ الأفريقية والأوروبية ولا حرج!
عندما جاء الإسلام في جزيرة العرب وجد وضعًا مشابهًا للعبيد هناك أيضًا، فبيئة التنقُّل والحروب المستمرة بين القبائل كانت مصدرًا أساسيًّا للاسترقاق، ولكن الشيء المختلف عند العرب في نظام العبودية أن العبودية عندهم لم تكن عبودية جسد فقط، بل عبودية جسد وفكر واعتقاد، فالعبد على دين سيده لا يخالفه ولا حق له في الاختيار أصلًا لأنه مملوك لسيده.
ثم جاء الإسلام ففكَّ أغلال العبودية عن أهلها، ووضع حدودًا، وسنَّ قوانين ينضبط بها هذا النظام ويُعمل بها إلى اليوم، فهو من اليوم الأول يُصرِّح بأنه لا فرق لأحد على أحد بلون ولا جنس ولا نسب، وأن كل إنسان له كرامة وشأن ورفعة محفوظة، بل واجبة الحفظ من الشريعة ومعتنقيها، ولهذا راجت الدعوة الإسلامية بين الكثير من المستضعفين لأنهم وجدوا فيها ما يحفظ كرامتهم وعقيدتهم وحريتهم، كما أنه ساوى لأول مرة بين العبيد والأحرار في كثير من شؤون الحياة كالأكل والشرب والملبس والزواج والمسكن، وأوكل إليهم مهام مجتمعية كتلك التي يوكلها للأحرار أيضًا بحسب ما يرى فيهم من أهلية لتلك الوظائف، ونجد أن الإسلام كلما فتح أبوابًا أمام الناس وأعطاهم حرياتٍ ونظَّم حياتهم فإنه يظهر منهم من يستغل هذه الفرص ويبدع في مجالات الحياة المختلفة محاطًا بسياج الشريعة، فكان من هؤلاء العبيد حكَّام كالمماليك وبعض الخلفاء العباسيين، وكان من الأتراك أيضًا من اعتمد عليهم في شؤون الدولة وتنظيم الحكم.
الفكرة من كتاب ماذا قدَّم النبي الكريم للإنسانية؟
إن المقارنة بين الأشياء المادية أو المعنوية التي تهدف إلى الخروج بنتيجة عادلة تتطلَّب قدرًا من الحيادية والصدق في تطلُّب الحق الواضح الذي لا اختلاف عليه، وذلك ما نجده في هذا الكتاب، حيث تقوم الكاتبة بالعرض التاريخي المتفق عليه بين المؤرخين والباحثين لحال العالم من جوانب عدة قبل الإسلام وبعده، مستخدمة الأدوات العلمية المنضبطة ومبتعدة عن الأسلوب الحماسي العاطفي في الطرح.
مؤلف كتاب ماذا قدَّم النبي الكريم للإنسانية؟
رقية طه جابر العلواني: أستاذة الدراسات الإسلامية في قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية بجامعة البحرين، نالت العديد من الجوائز، وشاركت في العديد من المؤتمرات الدولية، ومن أبرز مؤلفاتها:
أثر العُرف في فهم النصوص.
تدبر الزهرَاوَيْن.
ميراث المرأة بين النص والتأويل.