عبد الرحمن وشارل.. وموازين القوى
عبد الرحمن وشارل.. وموازين القوى
لما اتجه عبد الرحمن بجيشه نحو مهمته الكبرى، وحقق الانتصارات وفتح المدن كان جيشه محملًا بالغنائم التي حملها معه في أثناء زحفه، ففكر عبد الرحمن في أن يتركها للجيش لكنه خشي تمرُّده أو تثبيط عزيمته، ويذكر الكاتب أن كثيرًا من سكان أوروبا وبخاصة بلاد الغال كانوا يتمَّنون انتصار المسلمين لما رأوه من تحسُّن أحوال الإسبان بعدما أصبحت الأندلس تحت سيطرة المسلمين، فأوروبا في هذا الوقت كانت في ظلمات.
بالانتقال إلى موازين القوى بين جيش المسلمين بقيادة عبد الرحمن الغافقي وجيش الفرنجة بقيادة شارل مارتل، فجيش الفرنجة كان أكبر عددًا، كما كان موقف الفرنج أفضل استراتيجيًّا ومن حيث مددهم البشري والتمويني لأن المعركة على أرضهم، وقد تسبَّبت الغنائم التي حملها الجيش الإسلامي في إضعاف حركتهم وقد اعتبرها الكاتب سببًا كبيرًا في هزيمتهم.
وعن الفرنجة الذين يقودهم شارل مارتل، فقد كانوا جنودًا برابرة بدائيين يتصفون بالهمجية، والفرنجة هم شعبة من البربر الذين غزوا روما وأقاموا في ألمانيا وفرنسا، وكلمة الفرنجة تعني “الحر”، وحكم منهم الحكام الميروفنجيون ثم الأسرة الجرمانية الكارولنجية التي موطنها بلجيكا، ومن هذه الأسرة رجل يُدعى “بيبن” استطاع التدرج في المناصب إلى أن أصبح محافظ القصر، ثم زوَّج ابنته لابن دوق من نفس العائلة يُسمى “دوق أرنوف” فأنجبا “بيبن الثاني” الذي تولى رئاسة البلاط في بلجيكا سنة 681 م وسبب ذكر هذا الأمر هو أن حفيد بيبن الثاني كان شارل مارتل.
وبالعودة إلى أحداث تقدم جيش عبد الرحمن الغافقي، فقد ارتعبت أوروبا بأكملها من هذه الانتصارات التي حققها جيش المسلمين، وكان ملك الفرنجة آنذاك ضعيفًا بينما حاجب القصر “شارل مارتل” كان الآمر الناهي في البلاد، وقد جمع شارل عددًا ضخمًا من الجنود، ثم اتجه إلى شمال بواتييه، وفي تور التقى جيش المسلمين.
الفكرة من كتاب بلاط الشُّهداء
“لو انتصر العرب في تور-بواتييه لتُلِيَ القرآن وفُسِّر في أكسفورد وكامبردج!” هكذا قال المؤرخ الأوروبي “جيبون” عن المعركة التي أجمع المؤرخون أنها من أكبر المعارك الفاصلة في تاريخ البشرية جمعاء، كيف لا ولو كان مُقدرًا للمسلمين النصر فيها لكانت فرنسا مُسلمةً ولما سقطت الأندلُس، ولضمَّت الحضارة الإسلامية أوروبا من غربها إلى شرقها، لكنها إرادة المولى (عز وجل)؛ إرادته أن يُستشهد بطلنا المُسلم عبد الرحمن الغافقي وينسحب الجيش الإسلامي من معركة بلاط الشهداء.
مؤلف كتاب بلاط الشُّهداء
شوقي أبو خليل (1941-2010م)، هو كاتب وباحث فلسطيني درس بكلية الآداب قسم التاريخ بجامعة دمشق، ثم حصل على دكتوراه في التاريخ من أكاديمية العلوم بأذربيجان، ثم عمل في عدة مناصب أهمها عمله أستاذًا جامعيًّا لمادة الحضارة الإسلامية في كلية الدعوة الإسلامية، ومدير تحرير في دار الفكر بدمشق، وقد ألَّف ما يزيد على سبعين كتابًا عن التاريخ والحضارة الإسلامية، ومن أهم مؤلفاته:
فتح الأندلس
عوامل النصر والهزيمة.
آراء يهدمها الإسلام.