عبادة المشاعر
عبادة المشاعر
بوصفها جزءًا من الذات انتقلت الأهمية إلى المشاعر، فأخذت الحداثة تبحث عنها وتكثفها وتخرجها في صور متطرفة لإثارة الانفعال، وتبني علاقات كاملة على مركزية المشاعر، وينتشر هوس البحث عنها في التفاصيل الصغيرة العادية، والمحاولة المستمرة لتهييجها، لينغمس الفرد فيها بعد فقدانه للحلول الكبيرة الخارجية، وتمثل حرية التعبير عن المشاعر تحديًا جديدًا أمام الفرد ضد مجتمعه، ليتخلص من بقايا قيوده على المشاعر، ويطور من ذاته وجسده، ويحرر نفسه من المشاعر المكبوتة.
نلاحظ المكانة المميزة التي يحظى بها الحب في العلاقات الحديثة، فيرتقي إلى محاولات منح المعنى للأفراد المتحابين، ويمثل سببًا لكي يعيشوا من أجله، حتى وصل إلى منزلة التقديس فتعاظمت قيمته في العلاقات العاطفية، فبعد أن كانت قائمة على العلاقات العائلية ويدور في إطارها الزواج مثلًا، أصبح الزواج عن حب هو الغاية الكبرى للكثيرين، مع حرصهم على أن يظل مستوى الحب عاليًا، ويبقى خالصًا دائمًا لا ينضب، وتصويره بلحظات خاطفة مميزة وفي تصاعد مستمر.
ومن الصعب بل والمستحيل ارتكاز العلاقات على الحب لعدة أسباب، أولًا: الهشاشة النفسية والشعور بعدم الكفاية والأمان الذي يشعر به الفرد، وهذا ينعكس على شعوره بالرضا عن نفسه، وكرد فعل سلبي على ذلك يتضخم عنده حب الذات، ثانيًا: طبيعة بنية العلاقات نفسها التي تشمل بناء الذات الفردية أولًا قبل ارتباطها بالآخر، ثم عملية معقدة من تحديد الصفات المفضلة وتنقيتها والبحث والنظر والاختيار، في ظل مخاوف مستقبلية كبيرة، ثالثًا: الحب والرومانسية لا تصلحان للاستمرار دون نضوب، فالمساحة الفاصلة بين المحبين شرط أساسي لاستمرار القدر الكافي من الحب الذي يجب أن ينطفئ وتختفي الرغبات الدافعة له يومًا ما بسبب الانشغال أو الملل.
الفكرة من كتاب معنى الحياة في العالم الحديث
من منا لم يتوقف ويطرح السؤال التالي على نفسه، ما المعنى أو الجدوى لما يحدث لي؟ خصوصًا عندما تؤلمنا خسارة أحد الأحبة، أو نفقد شيئًا عزيزًا، أو نكابد المعاناة والمشقة في قرارات واختيارات معيشية، ومهما حاولنا تهميش هذا السؤال أو تجاهل ضرورته، نجد النفس تتطلع بشوق حارق لمعرفة العالم وفهمه، واستخراج الجدوى والمعنى من أحداثه.
هذا السؤال قد يمثل مأزقًا لكثيرٍ منا؛ حتى لو كنت ممن يمتلكون الإجابة ظاهريًّا فمن المحتمل أنك لا تستحضرها عند الأزمات، لنقص في اليقين أو لانغماس في ملهيات ومشتتات حديثة، ولكن مهما مر الوقت فإن سؤال المعنى يقفز من جديد أمامك، سنعرف لم قد يمثل السؤال أزمة حقيقية في العصر الحديث، ولماذا تتجاهله الفلسفات والنظريات الحداثية الغربية، وما آثار ذلك التجاهل في الإنسان في حياته اليومية، وفي نهاية الطريق سوف نحصل على إجابة شاملة من الوحي.
مؤلف كتاب معنى الحياة في العالم الحديث
عبدالله الوهيبي: كاتب سعودي الجنسية، حصل على الماجستير في الثقافة الإسلامية، وهو باحث في العلوم الشرعية والإسلامية، اهتم في كتاباته بنقد الحداثة وتوضيح علاقتها بالأوضاع المعيشة المعاصرة، من أشهر كتبه:
التبرج الُمسيّس.
حول الاستشراق الجديد.