عبادة الماركات والعلامات التجارية
عبادة الماركات والعلامات التجارية
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أرسى “شارل فريدريك” صناعة نماذج تتغيَّر باستمرار وتُصنَع على مقاسات كل زبونة، ما يعني القطيعة مع الماضي، ففي الماضي كان يعمل مصمم الأزياء تحت أوامر الزبونات، أما الآن فقد أصبح المصمم يفرض موديلاته وأذواقه على الزبونات بعد أن تحوَّلن إلى مستهلكات، ليظهر الخياط كمصمم أزياء كبير، حر ومستقل، متحررًا من تبعيته القديمة للزبونة، وبناءً على ذلك وجد الزبون نفسه مرتبطًا بعلامة تجارية ذات منزلة ثرية، وأصبح المنتج الفخم شخصيًّا لا اجتماعيًّا، يحمل اسم المصمم؛ أو اسم دار أزياء عريقة، وليس -كما في السابق- اسم أصحاب المقامات الرفيعة أو الأماكن الجغرافية، فلم يعد الأمر -بعد الآن- متعلقًا بجودة الخامات التي تؤسِّس للترف، بل أصبحت هالة اسم دور الأزياء العريقة وصيتها، وسحر الماركة هو كل شيء، وهو الأهم.
وقد سمح ذلك -كما يرى جيل- بظهور الأزياء نصف الفخمة، والأزياء الفخمة المزوَّرة -المقلَّدة- التي تحمل أسماء الدور العريقة والماركات التجارية بأثمنة منخفضة ومصمَّمة للطبقات المتوسِّطة، ما ساعد على انتشار كميات كبيرة من المنتجات المقلَّدة موضوعة في يد شريحة أكبر من الزبائن، مصنَّعة من مواد أقل ثراءً، وتقلِّد الأصلية المرموقة، ونجحت بذلك المتاجر الكبيرة بدمقرطة الترف عن طريق الأسعار المنخفضة التي تحفِّز استهلاك الطبقات المتوسطة، وبالتالي نجحت في تحويل بعض المنتجات التي كانت حكرًا على النخبة الثرية إلى حاجيات استهلاكية عادية في متناول الجميع.
في زمن ما بعد الحداثة المعولم، لم يعد الترف يقوم على الشركات العائلية والمبتكرين المستقلين، بل على الشركات العالمية العملاقة العابرة للقارات، ذات الأرباح الخيالية، المستندة على مجموعة كبيرة من الماركات المرموقة، فتركت الأزياء المصنوعة على المقاس مكانها للأزياء الجاهزة، وشهد بذلك العصر الحديث إلغاء ما كانت تمليه الموضة على الزبائن، لكنه مع ذلك شهد في المقابل انتصارًا “لعبادة الماركات” -كما يرى ليبوفتسكي- إلى جانب الرغبة في الظهور كالأغنياء، والسعي للتميز الاجتماعي؛ إذ إن حالة العشق والغرام بين الإنسان والترف ليست ناتجة عن الرغبة في نيل الإعجاب، وأن يعترف بنا الآخر وحسب، بل إلى جانب ذلك هناك الرغبة في الإعجاب بالذات أيضًا، كنوع من النرجسية، فقد أصبح الترف في خدمة الترويج لصورة شخصية أكثر من كونه في خدمة الترويج لصورة اجتماعية.
الفكرة من كتاب الترف الخالد.. من عصر المقدس إلى زمن الماركات
شهد الاقتصاد خلال الفترة الأخيرة توسعًا كبيرًا لسوق الترف، والذي قُدِّر عام 2000 بحوالي 90 مليار يورو، فبعد أن كانت المنتجات الفاخرة مقصورة سابقًا على الفئة البرجوازية رفيعة المقام، نزلت تدريجيًّا إلى الشارع، وأصبحت في متناول الجميع، وصار الهدف الرئيس للمجموعات الكبرى فتح الترف في وجه أكبر عدد ممكن من الناس، وتولَّدت علاقة بين الإنسان المعاصر والمنتجات الباهظة، وصارت الماركة على الملابس أهم من المنتج نفسه!
مؤلف كتاب الترف الخالد.. من عصر المقدس إلى زمن الماركات
جيل ليبوفتسكي ، فيلسوف وعالم اجتماع فرنسي، له عدد من الدراسات والبحوث في نقد الحداثة وما بعد الحداثة والعولمة والرأسمالية النيوليبرالية، وتفكيك بِنى المجتمعات الاستهلاكية، له مؤلفات عديدة، منها: “مملكة الموضة”، و”المرأة الثالثة”، و”الترف الخالد”، و”الشاشة العالمية”، وأفول الواجب”.
إلييت رو أستاذة بكلية IAE للأعمال في جامعة بول سيزان بفرنسا، وباحثة متخصِّصة في العلامات التجارية، لها أكثر من 60 مقالة علمية عن الثقافات والنجاح وإدارة العلامات التجارية الفاخرة.