عام وخاص
عام وخاص
وبشكل عام، فإن للعبادة أثرًا تربويًّا يصبغ المسلم صبغة كاملة، فَلِأولئك الذين يشكون ضعفًا في إيمانهم ونقصانًا في يقينهم، فعليهم بالعبادة، وإذا ذكرنا العبادة فَتعوَّد ألا تحصر لفظها على المفهوم القاصر وإنما ذكِّر نفسك دائمًا ووسِّع فهمك لمدلولها العميق الشامل، ولِأولئك الذين يسعون إلى الكمال الإنساني والارتقاء في معراج التألُّه التعبُّدي عليهم أيضًا بالعبادة والمسارعة في الخيرات، نعم لم نُخلق ملائكة ولا يُطلب منا أن نكون ملائكة وإنما يُطلب منا الترقي والسمو الإنساني والترفع عن الانحطاط الشيطاني، ولِأولئك الذين يطلبون الأمن والراحة والطمأنينة في أنفسهم التي لا ينفك أحد من الخلق كائنًا من كان يطلبها بأي وسيلة كانت، فعليه بالعبادة التي تتوافق مع فطرته الداخلية والتي تشعره بالإنجاز والنجاح.
والعبادات الكبرى بشكل خاص كالصلاة والجهاد والذكر والحج وقراءة القرآن تسهم بشكل كبير في التربية الإنسانية، ذلك أن الصلاة مثلًا وهي النداء اليومي المتكرر خمس مرات تربِّي الروح الإنسانية وتنزعها من مشاغلها ومن ماديات الدنيا فتصلها بخالقها وتلبي احتياج فطرتها وتجمعها مع أمَّتها على صف واحد فتربي فيها عاطفة الأخوة والوحدة الإسلامية وقبل ذلك كله تطهِّرها حسيًّا ومعنويًّا بالوضوء، بل ويبقى أثرها بعد الفراغ منها نهيًا عن فحشاء أو منكر!
وأما عن قراءة القرآن، فهو يتعامل مع الإنسان بكلّيته، فيؤثر فيه روحًا وجسدًا وعقلًا وعاطفة، ويلعب على أوتاره كلها فيجني القارئ من جنَّته هداية ونورًا وشفاء وبركة وطمأنينة، ويتعرَّض لمواعظه وقصصه وأخباره وأوامره ونواهيه، مذكرًا إياه بحقيقة وجوده، ومآله، ومفصلًا له طريق هدايته ونجاته فيخرج المرء من مجالسة سورة واحدة بل وربما آية واحدة بإبداع لغوي وطمأنينة نفسية وموعظة تربوية وإجابات لتساؤلات فكرية، وغير ذلك مما استأثر به القرآن الذي هو أقصر طريق لعملية التربية الإنسانية.
وأما عن الذكر، فهو يشمل العبادات كلها بمفهومه لا التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير فقط، فكل مجلس يذكر فيه اسم الله ويُتدارس فيه العلم يدخل تحت الذكر، والذكر قد يكون باللسان فقط أو بالقلب فقط أو باجتماعهما وهو الأفضل لحضور التأثير، ويقول الإمام النووي: “والذكر يكون بالقلب، ويكون باللسان، والأفضل منه ماكان بالقلب واللسان جميعًا فإن اقتصر على أحدهما فالقلب أفضل”، وبذكر الله يطمئن القلب وتهدأ النفس ويستنير الوجه، وتتسارع في عمل الخيرات وتنبت شجرة معرفة الله في قلبك فتثمر محبة ورجاء وخوفًا وخشوعًا واضطرارًا.
الفكرة من كتاب العبادة وأثرها في تربية النفس الإنسانية: بحث في الأساس التعبُّدي للتربية الإسلامية
مفهوم العبادة مفهوم قاصر مظلوم لدى كثير من الناس، وهذا ما جعل بعضهم يتطاول حتى حصره في المساجد فقط! العبادة لها مفهوم أوسع وأشمل من ذلك بكثير، ويسلِّط الكاتب الضوء هنا على واحد من مفاهيم أو قل من علائق العبادة بشكل خاص، ألا وهو علاقة العبادة بالتربية وآثار ذلك بشكل واضح وبأمثلة عديدة ولغة سهلة.
مؤلف كتاب العبادة وأثرها في تربية النفس الإنسانية: بحث في الأساس التعبُّدي للتربية الإسلامية
عبدالعزيز بن عبدالرحمن المحيميد: دكتور في قسم التربية كلية العلوم الاجتماعية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، له العديد من المؤلفات بين البحوث والمقالات ورسائل الدكتوراه، ومن ذلك:
مصادر التربية الإسلامية.
تاريخ الفكر التربوي بين المصادر الإسلامية والمصادر الغربية.
الحوافز في التربية الإسلامية.