عامُه الأوَّل
عامُه الأوَّل
على عكسِ السائد لا يحتاجُ الطفل إلى حاجاتٍ عاطفية فقط، بل يحتاجُ إلى حاجات عقلية لأنهُ في البداية لا يُدرِك وجوده، ولا يعي كينونته في هذا العالم، وإنما يتنامى هذا الاكتشاف خلال عامِه الأوَّل لهُ في الدُّنيا، لذا من المهم التحدُّث إليه، وتوفير الألعاب الخاصَّة به، والتحفيز الحسي، حتى ينمو عقليًّا بشكلٍ صحيح.
هذا العامُ الأوَّل لطفلك ينقسم إلى عدة مراحِل، أوَّلها الأشهر الثلاثة الأولى، حيثُ يُمضي أغلب الأطفال وقتهم في النوم، وتختلف حاجتهم إلى الغذاء من طفلٍ إلى آخر، ويكون مجرد مستقبِلٍ لمُدخلات الحياةِ من حولِه، هادئًا أغلب الوقت، إلَّا إن أكثر الحواس حساسية لديهم هي الآذان، ثم يأتي الجِلد واللمس كموضعٍ ثانٍ للتحفيز، والتفاعُل، ومن ثم تأتي العينان، وبعد الشهر الأوَّل قد تجد الأُم بداية مُحاولاتٍ لطيفة في الرد عليها خلال فترة اللعب، ويحتاج الطفل في هذا الوقت إلى إيجاد أثرٍ في محاولاتِه تلك، لأن هذا التفاعل البسيط يمكنه أن يُعلِّمه أن بإمكَانِه التفاعل والتأثير في هذا العالم من حولِه.
ومن ثمَّ تأتي الأشهر الثلاثة التالية التي يتحوَّل العجز فيها إلى استكشاف، فيظهر ما يُسمَّى بـ”التوقِ إلى اللمس”، لذا يكون من المفيد جدًّا ترك مساحة واسعة له بالتجربة واللمس، كالخُشخاشة، والدُّمى المحشوَّة، والألعاب المطاطيَّة والبلاستيكية على شكل حيوانات أو كرات مطاطيَّة، مع مراعاة قواعد السلامة لطفلك.
ثم ننتقلُ إلى الأشهر الثلاثة التالية أي من عُمر ستَّة إلى تسعة أشهر، هُنا يصل الطفل إلى النُّضج الكافي لتحديد الأشخاص المألوفين لديه من غيرهم، وينشأ لديه نوع من القلق من الغرباء، لكنَّه في المُقابل يستمتع بالمُناغاة ومحاولات الحديث، ويحبُّ أيضًا التكرار حتى الإتقان لأي عملية تجذب انتباهه، ومن المحتمل أن يستطيع الزحف عند اقترابه من الشهر الثامن، ثم ينتقل إلى الحبو عند الشهر التاسع، ولأن الاستكشاف سِمة هذا العُمر، يتوجَّب على الأم تحريره وتركه للعب والاكتشاف مع مراعاة قواعد الأمان والسلامة وإزالة أي شيءٍ قد يؤذيه.
أمَّا المرحلة الأخيرة أي الأشهر الثلاثة الأخيرة فتتمثَّل في قدرته على المشي، والقيام ببعض الألعاب المعقَّدة دونًا عن الأشهر الأولى، كالتصفيق والمُحاكاة، وهذه الفترة يمكن للأم أن تُقدِّم الطفل فيها إلى عالم الكُتب عن طريق الكُتب المصنوعة من الكرتون أو القُماش، المُصاحبة بصور كبيرة وكلماتٍ قليلة.
الآن نهضَ الطفل الصغير عن الأرض وبدأ بالمشي، وعادةً ما تحتاج هذه الفترة إلى عنايةٍ شديدة، وتكييف المنزل على وجود طفل صغير، ومشاركة كِلا الأبوين والانطلاق إلى العالم الخارجي.
الفكرة من كتاب طفلك قبل سنِّ السادسة: السنوات المصيرية
إن الأمومة مهنةٌ مميزة، لا يُقابلها في صنوف المِهن ما يُماثلها من أربعٍ وعشرين ساعةً من العمل بلا انقطاع، ولا تتقاضى الأم في المقابل أجرًا ماديًّا، أو تتلقَّى تدريبًا مُسبقًا في تجربة عمليَّة، حتى إنه لا يمكن اختزال هذا العمل في جملة محدَّدة، بل إنَّهُ مزيج من المعرفة المُطبَّقة مع عطفٍ ورعايةٍ وحنان، وعمليةٌ مستمرَّة من التعلُّم، غير أن المشكلة تكمُن في أن التعلم فيها إن كان بارتكاب الأخطاء في أحيانٍ كثيرة لا يمكن تلافيها مرة أخرى مستقبلًا، لِذا أعظم هديَّة يمكن أن تُقدِّمها الأم للبشرية طفل سوي سعيد.
هذا الكِتاب موَجّه إلى الأمهات اللواتي أنجبن مسبقًا ولديهنَّ طفل في عُمر ما قبل السادسة، أو أن تجربة الأمومة هذه هي تجربتهنّ الأولى، وفي كل الأحوال لا يُمكن تربية الأبناء لمُجرَّد قراءة كِتاب، بل إن التطبيق العملي، مع فهم اختلافات أطفالِها، وظروف معيشتها، هو المزيج المُراد تحقيقه من عمليَّة التربية.
خصَّ هذا الكتاب السنوات الست الأولى بالاهتمام، لأنها على عكسِ السائد ليست سنوات تكوينيَّة عاطفيَّة بحتة، وإنما هي سنواتُ تكوين عاطفي وعقلي وذهني، وقد عالج الكِتاب فكرة أساسية، وهي المفهوم الذاتي للطفل عن نفسِه.
مؤلف كتاب طفلك قبل سنِّ السادسة: السنوات المصيرية
فيتزهيو دودسون: عالِم نفس أمريكي، وُلد عام ١٩٢٣م في مدينة بالتيمور بولاية ماريلاند، وتُوفِّي عام ١٩٩٣ عن عُمر يناهز السبعين عامًا، له العديد من المؤلفات، وتُرجِمت أعماله إلى عدَّة لغات منها: كتاب “How to parent”، و”How to father”.
المترجم: زياد زيد الأتاسي