عالم آخر جميل
عالم آخر جميل
العمر هو الحيز الزمني الغيبي المحدد لحياة الإنسان ابتداءً وانتهاء، فإن عُلِم أوله فلا يُعلم آخره، وهو القصير مهما طال، فكل ما ابتُدئ لينتهي لا يكون إلا قصيرًا. من قال إنه حتم على الإنسان أن يعيش إلى الأربعين والستين! يبدو أننا نسينا التأمل وألفنا النعم، فبالنظر إلى من وما حولك تجد أنه أمر نسبي وقدر لا يعلمه إلا الله (جل وعلا)، والعاقل لا يلتفت إلى الطول والقصر وإنما يلتفت إلى السعة والعرض، فقد تُعمِّر طويلًا في ضيق وقد تُعمِّر قصيرًا في سعة وبسط، والأمر إليك فأن تستغله عرضًا يعني أن تشغله بمنجزات إيجابية وأعمال حية تضيف إلى الحياة حياة أخرى.
ويبقى الموت هو الحقيقة الأزلية والنهاية الصفرية المنطقية لعمر امتدَّ بالإنسان طولًا وعرضًا استغله أم لم يستغله، ولكنه مع ذلك يبقى للموت في الإسلام جمالية من نوع خاص جمالية الخروج من دار فناء إلى دار خلود، جمالية برد العيش ومعاينة اليقين والدخول على الملك سبحانه، جمالية الأنس بالعمل الصالح في القبر والأنس بمعيَّة الملائكة لحظة الموت والأنس باللحاق بالصالحين والشهداء والأنبياء وصحبتهم، ولا يكون ذلك إلا لعبد مؤمن ملأ عمره بمعرفة ربه ومعرفة ما هو مقبل عليه، مستزيدًا من العمل بما يؤنسه في قبره ومايبني له صروحًا وقصورًا في دار الإقامة الأبدية.
وكما أن لكل نفس ساعة، فإن للأرض والعالم كله ساعة خاتمة لا يعلم وقتها إلا خالقها ثقلت في السماوات والأرض، وساعة كهذه لا يتركها الإسلام هكذا، بل يصبغها ويحليها بجمال من نوع آخر أيضًا هو جمال الجزاء الأخروي وجمال الانتماء إلى الجماعات الناجية وجمال النعيم الدائم الذي لا ينقطع وجمال رؤية مالك الأكوان ذي الجلال والجمال، تلك المعاني حين فقدناها فقدنا نعيم الحياة الدنيا وحلوها، فإنها ما قامت إلا للتعرُّف على الخالق وكلامه وسننه والرغبة في جنانه والفرار من عذابه.
الفكرة من كتاب جمالية الدين.. معارج القلب إلى حياة الروح
“عندما نقول هنا (جمالية الدين) فإننا نعني أن الله (جل وعلا) الذي جعل الدين جميلًا، قصد أن يكون التدين جميلًا أيضًا، قصدًا تشريعيًّا أصيلًا، بمعنى أن ذلك قُصد منه ابتداءً وليس صدفة واتفاقًا”!
من وجهة نظر مختلفة وبلهجة لطيفة رقيقة يفتح الكاتب قلوبنا لا أنظارنا لتبصر وتنشرح بأصل هذا الدين ومقصوده وغايته، لتخرج من قراءته لا كما دخلت إليه وتود أنه لم ينتهِ!
مؤلف كتاب جمالية الدين.. معارج القلب إلى حياة الروح
فريد الأنصاري: عالم دين وأديب مغربي، حصل على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية تخصُّص أصول الفقه، وعمل رئيسًا لقسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب، بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس، كما شغل منصب عضو في المجلس العلمي الأعلى بالمغرب.
ومن مؤلفاته:
آخر الفرسان.
ديوان المواجيد.
سيماء المرأة في الإسلام.
الدين هو الصلاة والسجود لله باب الفرج.