ظُلم وتكريم
ظُلم وتكريم
عاد جمال حمدان إلى مصر بعد الدكتوراه، وانضم مرةً أخرى إلى هيئة التدريس بقسم الجغرافيا، وألَّف ثلاثة كتبٍ هي “جغرافية المدن” و”أنماط من البيئات” و”دراسات في العالم العربي” الذي حصل على جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الاجتماعية عام 1959؛ فقَوِي حضوره في الحركة الثقافية في مصر، وسرت الغيرة في زملائه، وبدأ يواجه صعوباتٍ عديدة في عمله، إذ حُرم تدريس مادة “جغرافية المدن” التي كانت مفضلته، وكُلِّف بتدريس مادة الخرائط التي كان يُدرسها المعيدون عادةً لطلاب السنة الأولى، وعند انتدابه إلى فرع الخرطوم من جامعة القاهرة فوجئ بأن أحد زملائه يُوزع كتبه ومحاضراته على الطلاب وينسبها لنفسه! ومع تخطيه في الترقية إلى وظيفة أستاذ مساعد؛ تقدم باستقالته من الجامعة عام 1963، ولم تُقبل إلا بعد عامين.
وهنا فرض جمال حمدان على نفسه عُزلة شديدة، ولكنها لم تُكن انسحابًا أو هروبًا، بل كانت سُموًّا، ومواجهةً بسلاحِ العلم؛ لم يكن في فراغٍ أو ضياع، وإنما انشغل بدراساته وأبحاثه وبمشروع حياتِه “شخصية مصر”، ولم يكن يُغادر شقته البسيطة أو يسمح لأحدٍ أن يقتحم عُزلته إلا قليلًا، وامتدت تلك العزلة نحو ثلاثين عامًا حتى حادث وفاته الغامض عام 1993.
وفاز بطل حكايتنا بجوائز عديدة، منها جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية عن مجمل أعماله عام 1985 ولكنه رفض أن يتسلمها، وجائزة التقدم العلمي عام 1986 من الكويت عن مجمل أعماله أيضًا، ووسام العلوم من الطبقة الأولى عام 1988 عن كتابه “شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان”، وجائزة معرض الكتاب الدولي عام 1989 حين خرج من عزلته لمعرض الكتاب في ندوة مع لمعي المطيعي. ورُشح جمال حمدان لمناصب قيادية عديدة وعُرض عليه أن يعمل أستاذًا في الجامعة الليبية وفي بغداد، لكنه رفض كل ذلك.
وكان على علاقةٍ بشخصيات شهيرة في عصره، كالمفكر السياسي محمد حسنين هيكل، والصحفي أحمد بهاء الدين الذي خاصمه بعدما صرح بغير إذنه عن ظروفه الحياتية والمادية الصعبة.
وبرغم غيابه عن التدريس في الجامعة، كان العديد من الطلاب يحرصون على الاستفادة من علمه ويراسلونه ويُحاولون لقاءه، ومنهم من لقبوا أنفسهم بالحمدانيين، مثل عبد النبي الشنواني والجزائري محمد عيسى.
الفكرة من كتاب جمال حمدان وعبقرية المكان
جمال حمدان، هو ذلك العالم الفريد الذي عشق الجغرافيا فكان من أعلامها، وعُرف بموسوعته “شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان”.
يأخذنا هذا الكتاب في رحلة نعرف فيها نشأته ودراسته، وعزلته عن المجتمع، ونظرته إلى علم الجغرافيا وعلاقته بغيره من العلوم، ونلقي نظرةً على مؤلفاته وإنتاجه العلمي، وعلى آرائه في قضايا عديدة، حتى نصل إلى قصة وفاته الغامضة التي تحيطها علامات الاستفهام.
مؤلف كتاب جمال حمدان وعبقرية المكان
محمد محمود غنيمة: كاتب وباحث جغرافي، وموثِّق تاريخي، عمل بمكتبة الإسكندرية، وشارك في إعداد مواد وثائقية لكتب عديدة، ونُشرت له مقالات في صحف ومجلات مصرية وعربية، من مؤلفاته: “ذاكرة النخبة – أوراق ومراسلات نادرة من التاريخ الحديث”، “عروش تتهاوى – النهايات الدرامية للأسرة العَلَوية” ومجموعة قصصية بعنوان “غيبوبة”.
أيمن منصور: باحث، وعمل بإدارة المشروعات الخاصة بمكتبة الإسكندرية.