طُغيان عالم الأشياء
طُغيان عالم الأشياء
هناك “عالم الأشياء” ويشمل كل الوسائل المادية التي تُنتجها الحضارة، وهناك “عالم الأفكار” الذي يظلُّ مزدهرًا لينتج كل تقدُّمٍ في المجالات المختلفة، ويظلُّ عالم الأفكار في حركية وتدافع وإنتاج وإعمار لعالم الأشياء إلى أن يتمكَّن (الشيء) من (الفكرة) ويطغى عليها فيؤدي إلى جمودها وسكونها، ولا فرق بين البلاد المتخلِّفة والمتقدِّمة في مفهوم طغيان عالم الأشياء لأنه لأسباب عديدة، منها عصور الاستعمار، أصبح التماثل والتشابه كبيرًا إلى حدٍّ ما، وتطابقت مظاهر المُنتِج والمُستهلِك، فأصبح الشيء يطغى في البلاد المتخلفة بسبب ندرته، ويطغى في البلاد المتقدمة بسبب وفرته، فيؤدي هنا إلى عقدة الكبت والميل نحو التكديس، ويؤدي هناك إلى نوعٍ من الإسراف والتشبُّع.
إن طغيان عالم الأشياء على عالمي الأفكار والأشخاص في واقعنا الإسلامي المعاصر أثَّر تأثيرًا كبيرًا في العديد من الصعد؛ على الصعيد النفسي والأخلاقي أصبح عالم الثقافة الإسلامي متمركزًا حول الأشياء، وأصبح العالم المادي هو القمة في هرم القيم والأخلاق، كما تحوَّل الحكم الشخصي والأحكام العامة على مختلف الأمور إلى (أحكام كَمّية)، أي تنظر إلى إحصاء عدد وكمية الشيء، وينتشر بالتبعية في المجتمع المتخلف ممارسات مشتقة لتلك النظرة كتغيير السيارة سنويًّا إلى أحدث موديل، رغم أن السيارة القديمة ما زالت بكامل طاقتها فإنها النظرة المادية إلى الأمور، فصارت النظرة والتقييم النوعي منبوذًا في ذاته.
وعلى الصعيد السياسي تَفسد التخطيطات وتُقيَّد قدرات المجتمع وتأسره، لأن الجزء الأكبر في التخطيط يعتمد على نفس النظرة المادية وجمع الأموال لحل أي مشكلة سواء بالاقتراض أو بالضرائب، رغم أن هناك المئات من المشكلات لا تحتاج إلا إلى تخطيط جيد وقليلٍ من المال فحسب، وكذا على الصعيد الاجتماعي والفكري والثقافي فأصبح المفكرون والمثقفون يهتمون فقط في إنتاجهم الفكري بعدد الصفحات والغلاف الجيد الذي يلفت الأنظار، ولم يعد السؤال يتمركز حول مادة الكتاب وموضوع المسألة التي يناقشها الكاتب ويعالجها.
الفكرة من كتاب مشكلات الأفكار في العالم الإسلامي
يمرُّ الواقع الإسلامي بلحظات صعبة فارقة، من شدة التخلُّف الحضاري لا يستطيع المسلمون تحديد من أين يبدأ الطريق: هل من خلال عالم الأفكار، أم عالم الأشياء، أم عالم الأشخاص؟
يناقش الكاتب المشكلات الفكرية التي يعانيها العالم الإسلامي، ويحلِّل الواقع معتمدًا على التاريخ وطامحًا في المستقبل، يحاول أن يبيِّن السبيل للنخب الفكرية والمثقفين حتى يضعوا أيديهم على لُب المشكلة، كما يبين بعض المفاهيم الفكرية الخاصة التي استحدثها من أجل تبسيط المكونات الاجتماعية.
مؤلف كتاب مشكلات الأفكار في العالم الإسلامي
مالك بن نبي: مفكر إسلامي جزائري، ولد في الأول من يناير عام 1905 في قسنطينة بالجزائر، وتابع دراساته القرآنية ودرس بالمدرسة الفرنسية وتخرج عام 1925، سافر بعدها إلى فرنسا وانغمس في دراسة الحياة الفكرية، انتقل إلى القاهرة هاربًا من فرنسا بعد إعلان الثورة الجزائرية، وعاد إلى الجزائر بعد الاستقلال وتم تعيينه مدير عام التعليم العالي، وانشغل بإلقاء المحاضرات والتأليف والبحث، وتوفي في الواحد والثلاثين من أكتوبر عام 1973.
من أشهر مؤلفاته: “القابلية للاستعمار”، و”شروط النهضة”، و”مشكلة الثقافة”، و”الصراع الفكري في البلاد المستعمرة”.