طفولة قلب
تقصُّ علينا عائشة عبد الرحمن من نبأ حياتها وطفولتها فتذكر بيت جدها لأمها “الشيخ إبراهيم الدمهوجي الكبير” -شيخ الأزهر في وقته- المُقام على شط النيل بدمياط، وكان يقيم في بعض طوابقه معتوقو الجد من الرقيق مثل “الدادة حليمة” التي كانت ترعى الأطفال، و”العم مبروك” الذي يتولى شراء حاجات البيت وخدمة الضيوف، وكذلك أقام فيه جدا والدة عائشة عبد الرحمن، فكانت الأم ترعاهما بجانب مسؤوليات بيتها، وكانت تصطحب عائشة في طفولتها إلى هناك مما جعل “الدادة حليمة” تتولى جانبًا كبيرًا من رعاية الطفلة تحت عينيها بتوصية من الأم، لكن عائشة كانت تحتال على الدادة العجوز فتخرج إلى الشاطئ وتلعب هناك ثم تعود قبل موعد انصراف الأم من عند الجدين، فتذكر لأمها رغبتها في البقاء لخدمة الجدين، وما إن تغادر أمها فتخرج عائشة إلى شط النهر مرة أخرى لتلعب.
كانت تجلس عائشة عبد الرحمن في إحدى السفن الراسية على الشط وما ينغِّص عليها جلستها إلا القلق من الجنيّات اللاتي يخرجن من القاع لاصطياد البشر وإحضارهم إلى الكهوف في القاع ليبقوا تحت سيطرتهم أبد الدهر، وبلغ بها الفزع أن كانت تحلم بالجنيات فانصرفت عن عادة الجلوس على الشاطئ فكانت ترى الأطفال اللاعبين هناك بلا خوف وكأن ليس لهم أمهات يعرفن من خبر الجنيَّات شيئًا ليحذِّروا أطفالهم كما تفعل أمها! عرفت عائشة سرَّ توجُّس أمها من الشاطئ، إذ إن والدتها -جدة عائشة- غرقت في نفس المكان ولم تكن أم عائشة قد نضجت بعد فتولَّى رعايتها جدَّاها إلى أن تزوجت بعالم أزهري من المنوفية بعد أن أنهى رحلته العلمية بالقاهرة فقدم إلى دمياط وعمل بها مدرسًا بمدرسة ابتدائية ثم بالمعهد الديني بجامع البحر، وقد رزقهما الله بابنتين وكان الأب يتمنى أن يكون بينهما ذكر ليسخِّره للعلم، ولكنه كان راضيًا بما منحه الله فجهَّز ابنته عائشة لذلك الغرض، فتعلَّمت الكتابة والقراءة وحفظت بعض سور القرآن الكريم وبعض المفاهيم من العلوم الشرعية سمعتها منه ولم تكن قد جاوزت الخامسة بعد، بل بدأت دراستها المنتظمة في صيف عام 1918م.
الفكرة من كتاب على الجسر: بين الحياة والموت
تصف عائشة عبد الرحمن نفسها وكأنها تقف على جسر يفصل بين عالم الحياة الطاغي بآثار زوجها الراحل عنها كما لو أنه حي ماثل أمامها، وعالم آخر ذهب إليه زوجها لكنها لا تملك أن تذهب إليه الآن ولا تخلَّفت عنه بإرادتها، ألا وهو عالم الموت.
تسرد بنت الشاطئ حياتها منذ الطفولة إلى رحيل زوجها عام 1966م في هذا الكتاب معلنةً عن كل التحديات التي خاضتها في سبيل تحقيق أحلامها وأهدافها.
مؤلف كتاب على الجسر: بين الحياة والموت
عائشة عبد الرحمن: أديبة ومفكرة وباحثة وأستاذة جامعية ولدت عام 1913م، وتعرف بـ”بنت الشاطئ”، وهي أول امرأة حاضرت بالأزهر الشريف، وتولَّت العديد من المناصب الجامعية المرموقة ونالت عدة جوائز مختلفة، وتُوفِّيت عام 1998م تاركةً لنا إرثًا مجيدًا بين التأليف والتحقيق، ومنه:
“التفسير البياني للقرآن الكريم”.
“مع المصطفى، مقال في الإنسان”.
“تراجم سيدات بيت النبوة”.
“بطلة كربلاء”.