طريقة تعاملنا مع الغضب، بين الخزي والعلاج
طريقة تعاملنا مع الغضب، بين الخزي والعلاج
إننا في غالب الوقت عندما نشعر بالغضب، نحاول أن نتعامل معه بحنكة وفطنة، ولا نسلم أنفسنا للانفجار، فإن حدث ذلك صِرنا ممتعضين خائفين لعدم قدرتنا على التحكم في أنفسنا، وحينها قد يمثل ذلك الشعور خطرًا مرعبًا، يُثير مشاعر الذنب والإحباط، مما يجعلنا نتجنب أي صراع، معلنين الانسحاب والاستسلام سريعًا، فيتحول شعور الغضب بداخلنا إلى خليطٍ من الحزن والأسى والخوف، وحين يتملكنا الأسى، نتساءل عن الأسباب التي تدفع شخصًا ما إلى تهديدنا ومهاجمتنا، وقد نرى أن أنسب الحلول لتلافي الموقف هو الانسحاب.
هؤلاء الذين يتبعون هذا السلوك غالبًا قد نشؤوا على أن الإنسان الصالح هو الذي لا ينخرط في الصراعات، ويتحلى بدماثة الأخلاق واللطف طوال الوقت، فما كان من هذا التصور إلا أن خلق إنسانًا واهن العزيمة، خائر القوى، عاجزًا عن مواجهة الحياة. إن الغضب لا يتخذ لون الطيش والعدوان والقسوة فحسب، وإنما قد يتخذ لونًا من ألوان اللا مبالاة والانسحاب، هذا اللون الذي يصاب فيه الإنسان بتبلد المشاعر، وجمود التواصل، وعدم الاكتراث لأي شيء، وما يلبث أن يحيط نفسه بالعداء والانسحاب، ليشكل بذلك تهديدًا لنفسه أكثر من تهديده للآخرين.
ربما تكون محاولةُ استفزاز من وقع في هذه الحالة للتعبير عن استيائه وغضبه، أداةً فعالة، لكن ما يهدف إليه العلاج الوجودي هو التواصل مع الشخص، ليتمكن من فهم مشاعره وقيمه التي يستند إليها، سواء عانى من غضب طائش يعصف بكل ما حوله، أم عانى من انسحاب تام بعيدًا عن كل قيمة ورغبة، وللوصول إلى ذلك يتخذ العلاج الوجودي من «وصف الظاهرة» طريقةً للعلاج، بدلًا من محاولة التفسير والتأويل، يعتمد عملية الانتباه والوصف، فتشجيع الفرد على وصف ما مر به من انفعالات ومشاعر، يجعله يُدرك افتراضاته الشخصية وافتراضات الآخرين، كما يستطيع الوقوف على قيمه، وكينونته في هذا العالم.
الفكرة من كتاب القلق والغضب من منظور وجودي
في أيامنا المتتالية ينتابنا مزيج من المشاعر، فتارة نشعر ببهجة عارمة، وتارة أخرى نشعر بالضيق والخوف، تارة نشعر بالرضا، وتارة نشعر بالغضب، لا تتوقف حال المرء عند شعور واحد، ولكننا نجد أنفسنا نَصِف بعض المشاعر بصورة حسنة مقبولة، وأخرى نخافها ونمتعضها، ونتمنى لو كان من الممكن أن تختفي، ونتساءل عن سبب وجودها، فلماذا ينتابني الضيق والقلق والغضب؟
تلك المشاعر التي قد لا نفهمها ولا نستطيع التعامل معها، وأحيانًا قد تتملكنا عند حدوث أبسط المواقف، وقد يشعر أحدنا بوجود طاقة رهيبة من الغضب تنطلق بداخله على الرغم من إدراكه أن الموقف الذي هو فيه موقف بسيط للغاية، فما أسباب هذا الغضب وأشكاله؟ وكيف يمكننا التعامل معه ومع بقية مشاعرنا؟ كيف لنا أن نفهمها، ونجعل منها دافعًا لنا للانطلاق في غمار الحياة؟ لنناقش تلك الأسئلة من منظور وجودي.
مؤلف كتاب القلق والغضب من منظور وجودي
إيمي فان ديورستن: فيلسوفة، ومعالجة نفسية وجودية، وأستاذة زائرة في العلاج النفسي بـ«جامعة ميدلسكس | Middlesex University»، حصلت على الماجستير في علم النفس الإكلينيكي من «جامعة بوردو | University of Bordeaux»، والدكتوراه في الفلسفة من «جامعة سيتي | City, University of London»، كانت أول رئيسة في المجلس البريطاني للعلاج النفسي، وكان تطبيقها لأفكارها الفلسفية على علم النفس والعلاج النفسي باعثًا على ترسيخ المدرسة الوجودية في بريطانيا، أسست مدرسة العلاج النفسي والإرشادي في «Regent’s College»، وجمعية التحليل الوجودي، والمدرسة الجديدة للعلاج النفسي والاستشارات.
لها إسهامات عديدة من تأليفٍ وتحريرٍ للعديد من الكتب، ومن أهمها:
Existential Counselling & Psychotherapy in Practice
Everyday Mysteries: A Handbook of Existential Psychotherapy
معلومات عن المترجم:
مازن المريح: مترجم مصري وباحث في علم النفس، وله اهتمام خاص بعلم النفس الوجودي.