طبيعة معطيات الهيكل الحضاري الإسلامي
طبيعة معطيات الهيكل الحضاري الإسلامي
من أهم معطيات هذا الهيكل الارتكاز على الإيمان المقترن بالعمل وتوجيه الجماعة المسلمة إلى المسالك العملية الصحيحة وسكب طاقاتها في خضم معركتها مع الزمن لاستغلال الفرص والتعبير عن قدراتها بالمسارعة والسبق، والتحذير والتنديد الدائم بالفساد وأهله، والتذكير بأن مناط الاستخلاف قائم على الحركات الإصلاحية للوصول إلى أقرب نسخة لما يمكن اعتباره نماذج مثالية؛ وفي هذا السياق جاء الإسلام ليكرِّس لرؤية متكاملة من الموقف الحضاري يضم تحت ثوبه كل ما هو روحي ومادي، مشكِّلًا حركة حضارية روحية شاملة تربط بين متطلَّبات الدنيا وأعمال الآخرة، جامعة بين الثنائيات واضعة الجهود في سياق واحد يرفض التقطيع والاجتزاء، ويقف من جميعها موقف الوحدة والشمول، موفرًا لأبناء هذا الدين الجديد حالة التوازن المطلوبة في معركتهم مع الزمن والطبيعة والنفس ومتطلَّباتها.
وبالقدر الذي يحضُّ فيه الإسلام أبناءه على الانخراط الحضاري عملًا وإنجازًا ومسؤوليةً، رافضًا مبدأ التواكل والقعود والتخلُّف عن ركب الأمم المتقدِّمة يذكِّر في الوقت ذاته بلسان حال مواقفه وتشريعاته أن هذا الانخراط ما هو إلا سبب لغاية أكبر وقد يكون هو الغاية في حد ذاتها؛ واقفًا في موضع الوسط بين التجربة الوضعية والدينية، فما يقدمه الإنسان من منجزات حضارية على هذه الأرض وفق الأطروحة الإيمانية ما هو إلا تحقيق لتكليف الاستخلاف على الأرض ووسيلة لتهيئتها لتحقِّق العبودية لله (عز وجل) ما يكسب أي إنجاز حضاري بعدًا أخلاقيًّا ثمينًا يصعب توافره في أي حضارة أخرى قائمة على القلق في المواقف النسبية ومبادئها المتأرجحة.
الفكرة من كتاب أصول تشكيل العقل المسلم
جاء هذا الدين الجديد حاملًا معه لواء التغيير للتصوُّرات والمعتقدات والمنهجيات وآليات العمل، يتقابل فيها علم الله اللامحدود مع العقل البشري وإمكاناته المحدودة، موضحًا كيف يمكن للعقل الإنساني هضم هذه التصوُّرات وتشرُّبها لتتفتَّح أمامه فيما بعد مساحات من الآفاق الواسعة التي تدفعه بدورها إلى مقدمة التاريخ مشاركًا وفعالًا يقفز عبر الزمان والمكان متجاوزًا حدود المنطق في توافق وانسياب مع سنن الكون ونواميسه ضمن عملية تبادلية فائقة التناظر من الأخذ والعطاء تسير في مساقات واحدة وتصبو نحو تحقيق هدف واحد.
مؤلف كتاب أصول تشكيل العقل المسلم
الدكتور عماد الدين خليل الطائي، ولد في الموصل عام 1941م، وهو أديب ومؤرخ عراقي الأصل وحاصل على إجازة في الآداب من جامعة بغداد عام 1962م، وماجستير في التاريخ الإسلامي عام 1968م ودكتوراه في التاريخ الإسلامي، وله مؤلفات كثيرة في التاريخ والأدب والمسرح والشعر والفنون والدراسات النقدية.
وله نشاطات علمية عديدة، إذ عمل مشرفًا على المكتبة المركزية في جامعة الموصل عام 1986م، وشغل منصب العميد في الجامعة لأعوام، واشتغل مديرًا لقسم التراث ومكتبة المتحف الحضاري في المؤسسة العامة للآثار والتراث في الموصل (1977/ 1978)م، وعمل أستاذًا للتاريخ الإسلامي ومناهج البحث وفلسفة التاريخ في كلية آداب جامعة صلاح الدين في أربيل (1987/ 1992)م، ثم في كلية الدراسات الإسلامية والعربية في دبي (2000/ 2002)م.
من مؤلفاته: “مدخل إلى الحضارة الإسلامية”، و”مدخل إلى التاريخ الإسلامي”، و”أشهد أن لا إله إلا الله (سيرة ذاتية)”، و”الغايات المستهدفة للأدب الإسلامي: محاولات في التنظير والدراسة الأدبية”.