طبيعة انتقال الأفكار بين المجتمعات
طبيعة انتقال الأفكار بين المجتمعات
متى يمكنُ القولُ إن هناك طبقة لها خصائص معينة نشأت في مجتمعٍ ما؟
لا يحدث هذا لمجرد ظهور مجموعة من الأفراد تقوم بالفعل نفسه في مكانٍ ما، وإنما عند ظهور شريحة تتخلَّل في بِنية المجتمع فيتشرَّبها وتنتشر فيه انتشارًا واسعًا، ويكون ذلك ظهورًا قائمًا على أسس علم الاجتماع فيصبح لتلك الطبقة عملٌ خاص، وطبيعة خاصة ومميزة في اللغة والفكر والملامح والروح، ولها ظروفها الاجتماعية واحتياجاتها المحدَّدة التي أملاها عليها المجتمع، فكان ظهورها تلبيةً لتلك الاحتياجات واستجابةً لتلك الظروف، لذلك نشأت طبقة المثقَّفين في أوروبا واتسمت بعدة خصائص؛ أولاها (اللادينية) لأن الكنيسة ظلَّت قرابة ألف عام تقيِّد الأفكار والحريات وتسجن وتقتل كل من يعارضها، واقتصر الكاثوليك على العلوم والمعارف التي تخدم الإنجيل فقط وبالهيئة التي يرونها مناسبة، ونكَّلوا بكلِّ من يعترض بتهم الهرطقة (أي فساد الفكر)، ومن ثم إذا كان هذا قائمًا تحت التصوُّر الديني للكنيسة، تصبح اللادينية ردَّ فعلٍ طبيعيًّا لما حدث.
والخصيصة الثانية هي النزعة القومية الشديدة والمغالاة فيها، لأنه طوال قرون حكم الكنيسة كانت الكنيسة الكاثوليكية لها صفة العالمية ولم يوجد ما يسمى بالقومية مطلقًا، وكان حاكم أوروبا كلها هو البابا ويتم انتخابه من جماعة خاصة من العلماء الدينيين وهم مجمَّع الكرادلة، وكانت لغة أوروبا كلها هي اللغة اللاتينية مما خلق حالة من القيود السياسية، والمثقف بطبعه رافض لأي قيد مهما كان لأنه يخنقه.
والخصيصة الثالثة هي أن مثقفي أوروبا كانوا مع الجماهير دائمًا ضد الأرستقراطية التي كان أكبر تمثيل لها هو طريقة اختيار البابا من طبقة معدودة من عِلية القوم وجنحوا إلى الديمقراطية وأصبحت وسيلة وغاية للمثقف، لكن الحقيقة الأكيدة أن كل سمة اكتسبوها كانت رد فعل اجتماعيًّا طبيعيًّا لما سبق، ومن المنطقي أن ينشأ.
ولا يضمن علم الاجتماع أن تنجح حقيقةٌ ما في مجتمع عند انتقالها إلى مجتمع آخر، بل الغالب عليها الفشل، لأن الظروف الثقافية والدينية تختلف من مجتمع إلى آخر وهناك قاعدة مهمة في ذلك، وهي ضرورة الإقرار بنسبية الحقائق الاجتماعية، لأن الحقائق العلمية على سبيل المثال إما صحيحة وإما باطلة في أي مكان لكن لا يوجد هذا في علم الاجتماع، وإنما لا بدَّ أن تُقيَّد الحقائق بالزمن والبيئة والدوافع.
الفكرة من كتاب مسؤولية المثقف
“إن مسؤولية المثقف في زمانه هي القيام بالنبوة في مجتمعه حين لا يكون نبي”.. هكذا يصف الكاتب دور المثقف في مجتمعه، وأنه مُحمَّل برسالة ثقيلة تجاه مجتمعه عليه أن يؤديها بصدقٍ وإخلاص، ويُعرِّف ماهية المثقف ثم يشرح تاريخيًّا واجتماعيًّا كيف انتقل ذلك المفهوم من الغرب إلى الشرق وكيف استقبلناه؟ مبينًا مسئولية المثقف الأساسية ومفسرًا شكل العلاقة بين المثقف والمجتمع والخصائص اللازمة لنجاحه في التأثير والتغيير.
مؤلف كتاب مسؤولية المثقف
علي شريعتي Ali Shariati: مفكر إيراني إسلامي، ولد عام ١٩٣٣، في مدينة خُراسان، وتُوفِّي عام ١٩٧٧، تخرج في كلية الآداب وذهب في بعثة إلى فرنسا في عام ١٩٥٩ لدراسة علمي الأديان والاجتماع ليحصل على شهادتي دكتوراه في تاريخ الإسلام وعلم الاجتماع، عمل سياسيًّا ومترجمًا وعالم اجتماع وفيلسوفًا ومفكرًا.
له مؤلفات عديدة؛ أهمها:
دين ضد الدين.
العودة إلى الذات.
النباهة والاستحمار.
الإسلام ومدارس الغرب.