طاقاتٌ وحاجات
طاقاتٌ وحاجات
قال رسول الله ﷺ : “المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ من المؤمنِ الضعيفِ وفي كلٍّ خير”، والقوة تشملُ القدرات والمهارات العقلية والجسدية، وقال الله تعالى في قصة موسى (عليه السلام): ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ والأمانة هي التي تُوجه القوة، وبهما يكون الإنسان الصالح الذي نرجوه.
وأول ما ينبغي لنا فعله لتنمية قدرات أبنائنا وطاقاتهم أن نعينهم على اكتشاف أنفسهم وميولهم بناء على أُسس علمية سليمة، ونتذكر ما قال الإمام ابن القيم في تحفة المودود: “ومما ينبغي: أن يعتمد حال الصبي وما هو مستعدٌّ له من الأعمال ومهيأٌ له منها، فيعلم أنه مخلوقٌ له، فلا يحمله على غيره ما كان مأذونًا فيه شرعًا، فإنه إن حمله على غير ما هو مستعد له لم يفلح فيه وفاتَه ما هو مهيأٌ له…” وجهودنا التربوية قد تضيع إن لم تكن في الاتجاه الصحيح.
وعلينا أن نوفر لأبنائنا بيئةً آمنة وحريةً ليُجربوا ويُبدعوا، وأن نُوجههم توجيهًا عامًّا دون تحكم، فنشجعهم، ونحافظ على بُوصلة الأهداف مضبوطة، ونتدخل عند الأخطاء المنهجية، لكن دون أن نحدد لهم كل التفاصيل، لئلا نُقيِّد إبداعهم، ولأنهم يعرفون الكثير مما لا نعرف؛ ويمكنهم أن يرسموا مساراتهم.
وعلينا أن ننتبه للاختلافاتِ بين أبنائنا في قدراتهم ومهاراتهم، فلا نحاول أن نصنع منهم نُسخًا، ونوجه كلًّا منهم ليخدم الإسلام بحسب التوافق بين قدراته واحتياجات الناس حوله، ثم تنسجم الجهود المتنوعة معًا في المجتمع.
ولبناء شخصية سوية قوية، لا بد أن نُراعي، في اعتدالٍ واتزان، حاجات أبنائنا النفسية المختلفة، كحاجتهم إلى اللعب والترويح، وإلى التقدير، وإلى الغذاء والصحة وغيرها من الحاجات. وقد قال ابن تيمية (رحمه الله): “إن النفوس لا تقبل الحق إلا بما تستعين به من حظوظها التي هي مُحتاجةٌ إليها، فتكون تلك الحظوظ عبادةً لله مع النية الصالحة”، وقالت أمنا عائشة (رضي الله عنها): “اقدروا قدر الجارية العرِبة، الحديثة السن، الحريصةِ على اللهو”.
وقد كانت تربية النبي ﷺ لأصحابه تضم كل ما ذكرنا، ولنا في مواقفه معهم خير مثالٍ نقتدي به.
الفكرة من كتاب المُذهبات من تراثنا التربوي
إن التربية هي الأساس الذي تقوم عليه الحضارات، ونحن في حاجةٍ ماسة إلى تجديدها واستعادة إرثنا التربوي الطيب.
والكتاب يحدثنا في موضوعات تربويةٍ عديدة، منها: تأهيل المربي، وتربية العقل الناقد والعقل الإبداعي، وتقدير احتياجات الأبناء وتنمية طاقاتهم، وتربيتهم على المحكمات، وصناعة الرجال.
وأحاديثه كلها مُذهَّبةٌ بأقوالٍ من التراث الإسلامي، من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابته رضي الله عنهم، وعلماء المسلمين وأئمتهم الذين فقِهوا التربية.
مؤلف كتاب المُذهبات من تراثنا التربوي
فايز بن سعيد الزهراني، كاتب سعودي مهتم بالتربية الإسلامية، ومن مؤلفاته: “التربية من جديد”، و”مثانٍ – الطريق إلى الريادة في الحلقات القرآنية”، و”غمامتان – جولة مفاهيمية في سورتي البقرة وآل عمران”، وله العديد من المقالات والدورات والمواد المرئية والمسموعة المنشورة على شبكة الإنترنت.