ضيف خفي
ضيف خفي
تستيقظ صباحًا فتجد نفسك متكدرًا بلا سبب واضح وبلا أحداث سابقة تتطلب هذا الانطفاء، تفكر في مبرر تلتمسه لهذه الروح الحزينة ولا تجد، فتدرك أنه رفيق قديم -على حد تعبير الكاتب- جاء يطل عليك كعادته من حين لحين، إنه الاكتئاب فأحسن استقباله حتى تنقضي مدة مكوثه بسلام، إن طالت أو قصرت فهو ضيف ونهايته الرحيل، وله ما لكل ضيف من حقوق وآداب في حسن الضيافة والاستقبال وإكرام النزل، أي لا تستعجل رحيله ولا تلح عليه بالذهاب، وما عليك إلا إدراك أنك المستدعي له أولًا وأخيرًا، قد يبدو في ذلك شيء من التناقض البسيط، كيف أدعوه وفي نفس الوقت جاءني على غفلة دون وجود ما يستحق قدومه؟
الحقيقة التي وردت على لسان الاكتئاب أنه لا يأتي بلا دعوة حتى ولو لم تلحظ، دعنا نوضح لك قارئنا أن صدرك يضيق من تراكمات الأحزان البسيطة، نقطة تليها نقطة حتى يمتلئ، كحين تكتم انفعالاتك وحين ترفض البوح بمشاعرك أو التصريح بما يحزنك، ولا ننسى بالك المشغول بمشكلاتك وأمورك، كذلك قتل النفس باللوم والتفكير، فضلًا عن إحساسك بالفشل أو العجز في موضوع ما، هكذا سلبيات متى تجمعت وتراكمت فهي كفيلة أن تأتي بالضيف ركضًا.
أما أن تتخلص منه غصبًا فهذا خيار لا يحبذ، وعوضًا عن الخوف غير المبرر حاربه مسبقًا وتقدم عليه بخطوات، فلا تعلق إخفاقًا على حظ، ولا تتكل على حجة سوء البخت، فلكل حدث تفسير يتحمله الإنسان فقط بما لا يتنافى مع الإيمان بالقدر والنصيب، لأن المستقبل بيد الله أما المحاولة والسعي فهي واجبك، فابدأ كل ما عزمت ولا تتردد، وتذكر أن محمد علي مؤسس مصر الحديثة تعلم العربية في الخامسة والأربعين من عمره، وحصد شوبنهاور الشهرة في السبعين، لذا لا تنسحب في منتصف المعركة، واستمر بالسعي متسلحًا بالإيمان حتى يحين الموعد.
الفكرة من كتاب صديقي لا تأكل نفسك
“صديقي لا تأكل نفسك” جملة معدودة الكلمات يطول فيها الشرح وتنبض بها الحكمة، فهي خلاصة ما مر به الكاتب في إحدى مرات سفره مصوغة في قالب مقالي، وعلى هذا النمط الأدبي خرج لنا هذا الكتاب حاويًا مجموعة من المقالات المختلفة يبلغ عددها الخمسة وعشرين مقالًا في المواقف الاجتماعية والحياتية التي عايشها، والتأملات الفكرية التي مر بها، أي أنه يكتب أبرز ما مر به من قصص تخرج المكتئب من طور حزنه، وتسلي الضجر، وترشد الهائم في اختيارات الحياة، بما يحقق أقصى استفادة ممكنة، وها نحن نقدم عصارتها المكثفة لك قارئنا، ذاكرين مقاطع مختارة لأكثر ما احتواه تأثيرًا؛ كي تنهل وتسترشد من خبرات أحد أبرز كُتاب العصر الحديث.
مؤلف كتاب صديقي لا تأكل نفسك
محمد عبد الوهاب مطاوع الكاتب الصحفي مخموم القلب خفيف الكلام، ولد -رحمه الله- في مصر عام 1940، درس الصحافة بكلية الآداب جامعة القاهرة عام 1961، وعمل محررًا صحفيًّا بقسم التحقيقات في جريدة الأهرام المصرية ثم سكرتيرًا للتحرير، ثم نائبًا فمديرًا للتحرير في ذات الصحيفة، كما شغل رئيس تحرير مجلة الشباب.
وله العديد من المناصب المرموقة الأخرى التي شغلها طيلة حياته، ولا ينسى منها ما كان يشرف عليه من باب بريد الجمعة وباب بريد الأهرام اليومي، حيث عدها كمنصة تعينه على قضاء حوائج الناس وتقديم الاستشارات في مختلف الأمور الحياتية بأسلوبه الراقي اللين، لذا كان حقًّا أن يلقب بـ”صاحب القلم الرحيم”، ومن أهم أعماله وأكثرها رواجًا: “وقت للسعادة ووقت للبكاء”، و”أقنعة الحب السبعة”، و”قالت الأيام”، و”طائر الأحزان”.