ضرورة أن نعيش في حاضرنا
ضرورة أن نعيش في حاضرنا
تمر حياتنا بأطوار عديدة، فمن الطفولة إلى الصبا ثم إلى الشباب ثم الكهولة ثم الشيخوخة، ولكل فترة أفراحها وأتراحها واختباراتها ورغباتها التي تناسبها، ومن العادات السلبية التي تمنعنا من الاستمتاع بكل فترة على حدة، أننا ننشغل بالمستقبل أو نحزن على الماضي أكثر مما يجب، ونتجاهل طبيعة المرحلة السِّنِّيَّة التي نمر بها، فولي الأمر الذي يجبر صبيه على المذاكرة والدرس في حين أن نفسه تدعوه إلى اللعب والمرح وخوض التجارب التي ستعينه على فهم الحياة في ما بعد، يحرمه مرحلةً لن تعود إليه أبدًا، وهنا لا ندعو إلى التعامي عن المستقبل بشكل تام، ولكن نؤكد أن من يتجاهل حاضره منشغلًا بماضيه أو مستقبله لا يعيش حياة من الأساس، الطبيعي هو الشخص الذي يهتم بحاضره ويمارس الأنشطة المناسبة لمرحلته، فيستغل خبرات ماضيه بشكل غير مباشر، ويعد لمستقبله ويندفع نحوه بشكل طبيعي.
وانغماسنا في الحاضر ومشكلاته قد يشكل ضغطًا شديدًا علينا إذا استغرقنا فيه أكثر مما يجب، فمن وقت لآخر نحتاج إلى الراحة من كل مظاهر الحضارة والمشكلات المتعلقة بها، فلكي لا نستغرق في الاهتمام بحاضرنا بشكل تام، علينا أن نستعيد إحساسنا بالطبيعة المحيطة بنا من كل مكان، فتأمل الطبيعة يساعدنا على التخلص من أثقال الحضارة والقيم الاجتماعية التي تثقلنا، فنحن إذا ألفنا ألوان الطبيعة المتنوعة وانبساط أراضيها ورهبة ظواهرها وتنوع النباتات والحيوانات فيها، احتقرنا ما تدعونا إليه الحضارة من تهافت على المادة والاستزادة منها، فتأمل الطبيعة جانب يجب أن نجعله أساسيًّا في حياتنا، وإن كان الاتصال المباشر بالحدائق غير متاح، يمكننا أن نعتني بنباتات صغيرة في بيوتنا ونوفر جزءًا من الطبيعة في حياتنا اليومية.
الفكرة من كتاب فن الحياة
الإنسان يشبه الحيوان من الناحية البيولوجية، فكلاهما يأكل ويشرب ويتناسل، ولكن الإنسان يمتاز من الحيوان بعقله الذي يستطيع أن يسلطه على غريزته فيكبحها ويسيطر على كيفية تدفقها، بينما الحيوان تحركه غريزته دون وعي منه، وبكبح غريزته تمكن الإنسان من توجيه عقله إلى صنع الثقافة والفنون والأدب والحضارة، محولًا بهم المألوف من الطبيعة إلى شكل من أشكال الجمال نستلذ به ونزداد به استمتاعًا بالحياة.
وبالرغم من ذلك فما زال هناك عديد من الناس الذين يعيشون على الضرورات البيولوجية فقط، منساقين وراء مواريث وقيم المجتمع بشكل قائم على الغريزة والعاطفة، فهم يأكلون ويشربون ويشترون الملبس، ويستزيدون من الأموال معتقدين أنهم هكذا يعيشون حياتهم سعداء، ولكنها سعادة كاذبة تجعل أصحابها ذاهلين خاملين يكتفون بالعيش على سطح الحياة دون أن يعيشوا عمقها، دون أن يستعملوا فكرهم وعقلهم ليصلوا إلى السعادة الحقيقية التي لا تخضع لمعايير المجتمع وسعادته الزائفة.
مؤلف كتاب فن الحياة
سلامة موسى: صحفي مصري ولد عام 1887م في محافظة الشرقية، سافر إلى فرنسا وقضى فيها ثلاث سنوات التقى فيها بعديد من الفلاسفة والمفكرين الغربيين، ثم انتقل بعدها إلى إنجلترا وقضى فيها أربع سنوات يدرس الحقوق ويقرأ مؤلفات الاشتراكيين مثل كارل ماركس وغيره، وعندما عاد إلى مصر كان رائد الحركة الاشتراكية وصاحب أول كتاب عن الاشتراكية في الوطن العربي، وأصدر كلًّا من مجلة المستقبل والمجلة الجديدة، وتولى رئاسة مجلة الهلال لمدة ست سنوات، وشارك في تأسيس الحزب الاشتراكي المصري، وتُوُفِّيَ سنة 1958 عن عمر يناهز واحدًا وسبعين عامًا، تاركًا خلفه عديدًا من المؤلفات مثل:
أحاديث إلى الشباب.
الشخصية الناجعة.
الأدب والحياة.