ضرورة أن نربي أنفسنا على القيم الإنسانية
ضرورة أن نربي أنفسنا على القيم الإنسانية
قرار أن نمنع الآخرين من مضايقتنا أو أن نتوقف نحن عن مضايقتهم هو نوع من تربية النفس التي يجب أن نطبقها على كل أفعالنا، فنحن -البشر- تمتد طفولتنا الاجتماعية إلى ثلاثين عامًا من يوم مولدنا، أي إننا نعمد إلى تربية أنفسنا لأعوام حتى نتعلم الكيفية التي نسيطر بها على غرائزنا ونجعل لعقلنا اليد العليا، ولكن هذا في حالة كنا نحن من يقرر القيم التي تحركنا وليس المجتمع، ولهذا تتضمن تربيتنا لأنفسنا أن نعرف كيف نعرف، وليس أن نعرف فقط وننساق دون رأي منا.
وهذا الكلام يعني أن القيم التي نتعلمها من مجتمعنا وعائلتنا، وزملاء دراستنا، وزملاء وظيفتنا، وكل من نتعامل معهم في حياتنا، هي قيم نؤديها كما هي دون أن نفكر في معناها، أو في الحاجة التي تدعونا إلى فعلها من الأساس، وهذه القيم تدعى “القيم الاجتماعية”، وهي التي يزن بها العامةُ من الناس الفضيلةَ والرذيلة، وإذا كان المجتمع فاسدًا كان ميزانه وقيمه فاسدين، ومثال على تلك القيم: المبالغة في الزينة،
والتفاخر في الولائم والأعراس والمآتم دون وجود حاجة حقيقية إلى كل تلك الأبهة الفارغة، التي ترهق صاحبها دون داعٍ حقيقي إلا تحقيق قيمة اجتماعية شائعة، في حين أن النوع الآخر من القيم التي تعلم صاحبها أن يعرف كيف يعرف هي “القيم الإنسانية”، القيم التي تسمو بالفرد وتجعله إنسانًا يستنكر القتل والفقر والمرض
الفكرة من كتاب فن الحياة
الإنسان يشبه الحيوان من الناحية البيولوجية، فكلاهما يأكل ويشرب ويتناسل، ولكن الإنسان يمتاز من الحيوان بعقله الذي يستطيع أن يسلطه على غريزته فيكبحها ويسيطر على كيفية تدفقها، بينما الحيوان تحركه غريزته دون وعي منه، وبكبح غريزته تمكن الإنسان من توجيه عقله إلى صنع الثقافة والفنون والأدب والحضارة، محولًا بهم المألوف من الطبيعة إلى شكل من أشكال الجمال نستلذ به ونزداد به استمتاعًا بالحياة.
وبالرغم من ذلك فما زال هناك عديد من الناس الذين يعيشون على الضرورات البيولوجية فقط، منساقين وراء مواريث وقيم المجتمع بشكل قائم على الغريزة والعاطفة، فهم يأكلون ويشربون ويشترون الملبس، ويستزيدون من الأموال معتقدين أنهم هكذا يعيشون حياتهم سعداء، ولكنها سعادة كاذبة تجعل أصحابها ذاهلين خاملين يكتفون بالعيش على سطح الحياة دون أن يعيشوا عمقها، دون أن يستعملوا فكرهم وعقلهم ليصلوا إلى السعادة الحقيقية التي لا تخضع لمعايير المجتمع وسعادته الزائفة.
مؤلف كتاب فن الحياة
سلامة موسى: صحفي مصري ولد عام 1887م في محافظة الشرقية، سافر إلى فرنسا وقضى فيها ثلاث سنوات التقى فيها بعديد من الفلاسفة والمفكرين الغربيين، ثم انتقل بعدها إلى إنجلترا وقضى فيها أربع سنوات يدرس الحقوق ويقرأ مؤلفات الاشتراكيين مثل كارل ماركس وغيره، وعندما عاد إلى مصر كان رائد الحركة الاشتراكية وصاحب أول كتاب عن الاشتراكية في الوطن العربي، وأصدر كلًّا من مجلة المستقبل والمجلة الجديدة، وتولى رئاسة مجلة الهلال لمدة ست سنوات، وشارك في تأسيس الحزب الاشتراكي المصري، وتُوُفِّيَ سنة 1958 عن عمر يناهز واحدًا وسبعين عامًا، تاركًا خلفه عديدًا من المؤلفات مثل:
أحاديث إلى الشباب.
الشخصية الناجعة.
الأدب والحياة.