صناعة الإنسان
صناعة الإنسان
إن صناعة الإنسان تعني صناعة قلبه ونفسه وروحه صناعة محكمة متكاملة، وهي التزكية العلمية للنفس، ومصطلح صناعة الإنسان ورد في القرآن الكريم في قول الله تعالى لنبيه موسى (عليه السلام): ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾، وصناعة الإنسان لها أركان وهي الأسس التي تتحكم في بنائه وتشكيله وبينَّها الله تعالى في سورة العصر، وهي: الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.
أما عن منهج صناعة الإنسان فإنه يسلك طريقين، الأول: الأفكار والمعتقدات والقناعات، والثاني: المهارات والعادات والسلوك، والثاني متوقف على الأول ومبني عليه، وعند التأمل نجد أن الذي يؤثر في صناعة الإنسان ويؤثر في تفكيره ثلاثة أمور: أولها الكلام أو اللغة؛ ويدخل فيها جميع الوسائل الناقلة والموصلة للكلام صوتًا أو صورة، وثاني المؤثرات النظر والتفكر في الكون والحياة، ويدخل فيه النظر إلى القدوات والنماذج والأمثلة الماضية أو الحاضرة، وأخيرًا الأحداث والمواقف والفرص؛ وهذه لا اختيار للإنسان فيها، وعند الموازنة بينها نجد أن الأمر الأول هو أقواها وأشملها، فالكلام أو اللغة الحية، يتحكم في مشاعر الإنسان ويديرها إلى أي جهة تريد، لذلك فإن الكلمات تفوق الصور في مهارة التصوير والتجسيد للمعاني الذهنية بمرات عديدة، لذا فنحنُ أمام قضية تربوية مهمَّة يُمكن أن نسميها التربية بالنصوص، والمقصود بها نصوص القرآن والسنة وما يتصل بها، فمثلًا لماذا حين يسمع بعض الناس كلمةٍ ما تولِّد عنده الرعب أو الحزن أو الفرح أو النشاط، في حين لا يحدث هذا الأثر عند آخر مجاور له في المجلس؟ لماذا بعض الناس يسمع آيات القرآن فيحصل له التأثر العظيم ويبكي وآخر بجواره يسمع الآيات نفسها لا تحرك له ساكنًا؟
هذا هو السؤال الكبير الذي نبحث عن جوابه، هذا هو مدار التربية وعلم النفس، فمتى وقفنا على هذا السر أمكننا بإذن الله تعالى فهم تركيبة الإنسان وتفسير سلوكه، ومن ثَم علاج مشكلاته، بل صناعته صناعة صحيحة، فاللفظ هو الجسر الموصل إلى المعنى، والمعنى هو روح اللفظ وحياته فالنسبة بينهما كالنسبة بين جسد الإنسان وروحه.
لذا لم تكن ألفاظ القرآن الكريم، هي فقط ما يُحيينا، بل إن هناك ما وراء الألفاظ وهو روحها، أي المعاني التي تفيض بها، ولهذا فإن الله يحذر عباده من سلب الروح من تلك الألفاظ فيحول بين المرء وقلبه، فحياة الإنسان بحياة كلمات القرآن في نفسه فقد جعله الله روحًا ونورًا لروح الإنسان ونفسه كما قال تعالى: ﴿وكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.
الفكرة من كتاب الحفظ التربوي للقرآن وصناعة الإنسان
إن حقيقة النجاح ليست مُقتصرة على المعنى الدنيوي فحسب، بل النجاح الحقيقي هو ما يجمع نجاح الدنيا والآخرة بهدي القُرآن الكريم والسُنّة النبوية، فإن موضوع هذه المسألة هو الأداة التي بُنيَت به أول دولة للإسلام، وذلك لأنها تبني الإنسان أولًا، والإنسان هو الرُكن الأوَّل في دولة الإسلام، ومن خلال هذا الكتاب يُقدِّم لنا الكاتب كيف يُمكن بناء الإنسان وصناعته حتى يصبح خليفةً لله (عز وجل) في الأرض.
مؤلف كتاب الحفظ التربوي للقرآن وصناعة الإنسان
خالد بن عبد الكريم اللاحم: أستاذ القرآن وعلومه المساعد بجامعة الإمام، وعضو مجلس إدارة الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه، له عدَّة مؤلفات تحت مشروع بعنوان “خطوات التربية على الحياة”، ومن تلك الكُتب: “مفاتح تدبر القرآن والنجاح في الحياة”، و”مفاتح إقامة الصلاة وإخلاص العبودية لله”، و”القراءة بقلب قلب النجاح في الحياة”، وغيرها.