صلاح المجتمع
صلاح المجتمع
بعد أن تحدثنا عن إصلاح الفرد يأتي دور إصلاح المجتمع، فما الذي سيجمع بين المتفرقين؟ النسب؟ أم القبيلة؟ أم العشيرة؟
لربما تعد جميع الروابط المادية روابط ضعيفة، لن يتصف بها دين شمولي أرسل إلى الناس كافة، لذا جاء الإسلام ليجمع بين الناس برابطة الدين، فتسامى عن جميع الروابط المادية إلى رابطة العقل الذي جعل الله به الإنسان إنسانًا. فقال تعالى: ﴿لَّا تَجِدُ قَوۡمࣰا یُؤۡمِنُونَ بِٱلله وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ یُوَاۤدُّونَ مَنۡ حَاۤدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوۡ كَانُوۤا۟ ءَابَاۤءَهُمۡ أَوۡ أَبۡنَاۤءَهُمۡ أَوۡ إِخۡوَ ٰنَهُمۡ أَوۡ عَشِیرَتَهُمۡۚ﴾، ولكي يتناغم المسلمون بعضهم مع بعض، ولكي تتقرب صورة هذا الرابط في عقولهم، جعل الله المسلمين أخوة، فقال تعالى: ﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةࣱ﴾، فكانت الأخوة هنا نسبًا روحيًّا، لا يتعلق بأحكام مادية كالإرث أو الزواج أو غيره، وبهذا يسهل عليهم الاجتماع تحت لواء واحد.
وبعد أن اجتمع المسلمون على رابطة الدين، جعل الله مبنى تعاملهم مع بعضهم هو مبنى مكارم الأخلاق، وهي الفضائل التي ميز الله بها الإنسان عن باقي مخلوقاته، من رفعة وسمو، ومن أهم هذه الأخلاق الحياء، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء”.
وبما أن مراد الله أن يعم دين الإسلام في كل قطر وكل عصر وأن يكون وسيلة لإصلاح البشر، فكان لا بد أن يتسم المسلمون بمكارم الأخلاق لقوله تعالى: ﴿ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِیلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَـٰدِلۡهُم بِٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُۚ﴾، كما قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحۡمَةࣲ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِیظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّوا۟ مِنۡ حَوۡلِكَۖ﴾، فجعل الله الاتصاف بمكارم الأخلاق حقًّا على الولاة والهداة والعباد جميعًا، كما أنه لم يكتف أن تكون الأخلاق في معاملة جنس البشر فحسب، بل جعلها عمادًا لكل التعاملات سواء مع البشر أم الحيوان، فمن المعلوم حديث أن امرأة دخلت النار في هرة، وحديث أن رجلًا دخل الجنة في سقيا كلب.
إن من جملة مكارم الأخلاق تلك، العدالة والإنصاف والاتحاد والمواساة أي المساعدة، فالعدالة موجبة للاستقامة ولا تكتمل إلا بالمروءة، فقد قال رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلّم): «من عاملَ الناسَ فلم يظلِمْهم، وحدَّثَهم فلم يكذِبْهم، ووعدَهم فلم يُخْلفْهم؛ فهو مؤمنٌ، كمُلَتْ مُروءتُهُ، وظهَرَتْ عدالتُهُ، ووجبتْ أخوَّتُه»، وقال (صلى الله عليه وسلم) في الإنصاف: «لا يؤمنُ أحدكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه».
وقال تعالى في الاتحاد: ﴿وَٱعۡتَصِمُوا۟ بِحَبۡلِ ٱللهِ جَمِیعࣰا وَلَا تَفَرَّقُوا۟ۚ﴾، أما المواساة فتعني الإعانة والمساعدة وهي تظهر في أنواع كثيرة، فيكون منها الواجب كالزكاة وبعض الصدقات، والنفقات كالنفقة على الزوجة، ومنها ما يكون مستحبًّا كالصدقة.
وبهذا يكون مبدأ التعامل مبنيًّا على مكارم الأخلاق، فهل يحقق ذلك الإصلاح الاجتماعي، أم أن هناك مبادئ أخرى؟
الفكرة من كتاب أصول النظام الاجتماعي في الإسلام
كيف تُبنى النظم الاجتماعية؟ يعد الحديث عن المجتمع وأسسه من عوامل تقدّم المجتمع وانحطاطه، مما أثار تساؤل الكثيرين قديمًا وحديثًا؛ يتناول البعض البحث عنه من جانب الإنسان وتطوّره، ويتناول البعض الآخر البحث من جانب الحكومات، وما ينبغي توفيره لصلاح مجتمعاتها، لكن هل يدخل الدين في إصلاح هذا الأمر؟ أم أن الدين متعلق فقط بما يعتقده المرء ولا يُرجى منه عمل في الحياة الاجتماعية؟
يحدثنا الكاتب عن الدين بمفهومه الشامل، والغرض منه، من تغييره في فكر المرء وصلاح حاله، ومنه إلى صلاح المجتمع. فما الدين؟
مؤلف كتاب أصول النظام الاجتماعي في الإسلام
محمد الطاهر بن عاشور: عالم وفقيه تونسي، أصل أسرته من الأندلس، ولد بتونس عام 1879م، تعلم بجامعة الزيتونة، ثم أصبح من كبار أساتذتها. تولى منصب القضاء المالكي عام 1911م وارتقى لمرتبة الإفتاء في عام 1932م، واختير لمنصب شيخ الإسلام المالكي، وكان أول شيخ بجامعة الزيتونة. وقد ألف الشيخ في العلوم الإسلامية والعربية، ومن أبرز مؤلفاته:
تفسير التحرير والتنوير.
مقاصد الشريعة الإسلامية.
أصول الإنشاء والخطابة.
موجز البلاغة.