صحتك من بيئتك
صحتك من بيئتك
يظن بعض الناس أن البيئة تشمل المحيط المادي الجغرافي الذي يعيش فيه الإنسان فقط، إلا أن مفهوم البيئة أوسع من ذلك بكثير، فالبيئة تنقسم قسمين كما يذكر الكاتب: البيئة الصغرى والبيئة الكبرى، فالبيئة الصغرى تمثل المكان المادي الذي يعيش فيه الإنسان (البيت وما يشمله من أثاث ونظافة وتهوية)، وتمثل أيضًا العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة، نعم هذه يُطلق عليها مفهوم البيئة، كيف لا والأسرة هي المؤسسة الأولى التي ينضج فيها الإنسان ويكبر بداخلها ويكوّن نظرته عن الحياة بتفاصيلها من خلالها، وفيها يتلقى العناية والرعاية منذ نعومة أظفاره، العناية الصحية والعناية المعنوية،
وصحة الإنسان في تلك البيئة الصغيرة تبدأ مبكرًا جدًّا من صحة أبويه وخصوصًا أمه قبل الحمل وفي أثنائه وبعده، ثم بعد ذلك تتدخل اللقاحات والتطعيمات المساعدة مع الحرص على نظافة المنزل وتعليم الأبناء أسس النظافة والسلامة والوقاية من الأمراض والحوادث، بهذا تكون هذه البيئة -وإن كانت صغرى- اللبنةَ الأولى والأهم في صحة الإنسان.
أما البيئة الكبرى فتشمل المكان الجغرافي والظروف الاقتصادية والمناخية والاجتماعية المحيطة بالإنسان، فنجد مثلًا انتشارًا لأمراض معينة في البيئات التي تتمتع بدرجة حرارة عالية عن سواها كأمراض البلهارسيا والملاريا، وكذلك نجد في المناطق الشديدة البرودة انتشارًا لأمراض تصيب الجهاز التنفسي أكثر من غيرها، ونجد أن اختلاف الوضع الاقتصادي بين سكان المدن والقرى والبوادي يؤثر بشكل ما في مستوى التغذية، ومن ثم مستوى الصحة العامة، كذلك العادات والتقاليد المحيطة بالإنسان تدخل ضمن المعادلة،
فمثلًا في بعض قرى مصر اعتاد سكانها الشرب من ماء النيل مباشرة بدلًا من ماء الأنابيب النقي، لاعتقادهم بأنه يعطي خصوبة للإنسان فيحسن التناسل لديه كما يعطي خصوبة للأرض! هناك مجتمعات أخرى لا تدع الفتيات يشربن الحليب لأن هذا يعد في عرفهم تدنيسًا للبقرة التي يقدسونها ويعبدونها! وغيرها من العادات والتقاليد المقبولة أو المغلوطة، وهكذا نجد أن عوامل كثيرة جدًّا محيطة بالإنسان قد يملك تغييرها وقد لا يملك ذلك، تؤثر بشكل مباشر في صحته العامة وفي التوجه العام للتداوي أو التمارض!
الفكرة من كتاب مدخل إلى الصحة العامة
كلما تقدم الإنسان حضاريًّا دفع ضريبة ذلك التقدم، إما من ماله وإما من صحته وإما منهما معًا، وقد تكون الصحة في ذيل قائمة أولوياته من غير أن يشعر، فوفرة المطاعم السريعة والمصانع العاملة والحياة المترفة جلبت معها فواتير باهظة يدفعها الإنسان على عتبات المستشفيات ومراكز التغذية والأندية الرياضية، والعاقل من اتبع منهج الوقاية قبل العلاج.
مؤلف كتاب مدخل إلى الصحة العامة
زهير أحمد السباعي: أستاذ طب الأسرة والمجتمع، حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة من جامعة عين شمس بالقاهرة عام 1963م، وعلى دبلوم طب المناطق الحارة من معهد “برنارد نوخت” لطب المناطق الحارة بهامبورغ في ألمانيا عام 1965م، كما حصل على ماجستير في الصحة العامة من جامعة “جونز هوبكنز” بالتيمور بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1966م، وكذلك الدكتوراه في الصحة العامة من جامعة جونز هوبكنز عام 1969م، وله مؤلفات عدة في هذا الباب منها:
الطبيب: أدبه وفقهه.
تعليم الطب باللغة العربية.
الرعاية الصحية: نظرة مستقبلية.