صاحِبِ الكون.. والزم حدَّك
صاحِبِ الكون.. والزم حدَّك
خلق الله سبحانه لكل شيء حدًّا ينتهي إليه ولا يتعداه، وجماله يكمن في بقائه في ذلك المحدود الذي خُلِق له لأنه لو تعدَّاه أو تخطَّاه لصار منفرًا فاقدًا لأصل جماله، نعم جمال الأشياء يكمن في بقائها فيما ألفناه عليها لا في خروجها عن المعهود، ولنتخيل مثلًا حركة الشمس والقمر لنتسوعب الفكرة، ماذا لو تحركت الشمس عن مسارها قليلًا، وماذا لو قرر القمر يومًا أن يختفي أو يخفت، بالطبع لقلنا ما هذا العبث وكيف نسيِّر معاشنا في ظل هذا الاضطراب!
أسقط هذه الفكرة على عقلك، فعقلك مخلوق أيضًا وله حدود لا يستطيع أن يتخطَّاها لأن تخطِّيها ضرب من العبثية والقبح وخروج عن جماله الأصيل الذي خُلِق له من إعماله في التأمل والتفكر والتدبر بعيدًا عن متاهات الأسئلة الجدلية السفسطائية، وعن محاولات إدراك الذات الإلهية، وهنا تكمن العبودية في فهم وإدراك الضعف البشري الذي لن يُدرِك كل شيء ولن يستطيع إعمال عقله في كل شيء فجماله إعماله في حدوده، بعيدًا عما لا يستطيع تجاوزه.
ومما يمكن للعقل أن يعمل فيه بإبداع عبادة نُسيت ولم تعد تُولى اهتمامًا كبيرًا مع أنها إلى جانب آيات الوحي من الأمور الباعثة للإيمان في القلوب، ألا وهي عبادة التفكر في هذا الكون الفسيح، وهي ليست عبادة جليلة فحسب أو عبادة ترفِّه بها النفس عما فيها، بل هي عبادة مأمور بها تثير في نفس الإنسان تساؤلات مسموحًا بها فيساعده الكون المنظور إن اجتمع للكون المسطور إجابة على كل تساؤلاته ولا يغلق أمامه مساحة التساؤل ولا يمنع عنه الإجابة الشافية.
وكما أن عقلك محدود فإن لك طاقة محدودة وأنت قد خُلقت أجوف فارغًا قابلًا للامتلاء، فاصرف طاقتك المحدودة وأعمل عقلك المحدود واملأ جوفك بالتفكُّر، فالتفكُّر بريد القلب والقلب مضخَّة الإيمان ورُبَّان الجوارح.
اصطحب معك خيالك حين تتفكَّر، سواء في آيات القرآن أو في آيات الكون، تخيَّل مصارع الأمم، استمع لصراخ أهل النار وأنت تجلس فوق جبل عالٍ تخيَّلهم يصطرخون تحت قدميك، تخيَّل متكأ أهل الجنة ونعيمهم وأنت تتأمَّل في بستان بهيج الألوان كثير الثمرات، اجلس أمام البحر واستمع لنداء نوح (عليه السلام) لابنه وهو يقول له ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ﴾، وتخيَّل مشهد الابن وهو يغرق!
الخيال نعمة من نعم الله سبحانه إعمالها في حدودها قد يرتقي بك حتى تبلغ من الإحسان ما تعبد به الله سبحانه كأنك تراه وهذه منزلة حقيقية ليست خيالًا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فخذ بالأسباب يمنن عليك كما مَنَّ على غيرك.
الفكرة من كتاب عبودية الكون والكائنات
تحتاج بين فترة وأخرى أن تُنعِش قلبك كما يفعل أهل الطب في غرف الإنعاش، نعم تحتاج إلى تلك الانتفاضة، ولا يأتي بها إلا التفكُّر والتدبُّر في هذا الكون وفي نفسك وفي كتاب ربك، فكن جريئًا في اقتحام الكون وكن جريئًا في الإقبال على القرآن، وهناك العديد من الوسائل التي تعينك على ذلك، منها هذا الكتاب ذو اللهجة البسيطة والمعاني العميقة.
مؤلف كتاب عبودية الكون والكائنات
وجدان العلي، هو أديب وطالب علم، تتلمذ على أيدي طائفة من علماء الشريعة واللغة العربية والأدب، يعمل في مجال الدعوة إلى الله، وله العديد من البرامج منها: “نوري”.
ومن مؤلفاته:
صادق بكة.
ظل النَّديم.
مؤيد عبد الفتاح حمدان، له العديد من المؤلفات في المجال الشرعي، ومن أبرزها:
أوراد أهل السنة والجماعة.
القرآن الصاحب الوفي.