صاحب السر
ثم جاءت غزوة تبوك، وفي طريق العودة منها إلى المدينة ليلًا، سوَّل الشيطان لبعض المنافقين أن يمكروا برسول الله (ﷺ) ويحاولوا قتله، وسار الناس في بطن الوادي إلا أولئك المنافقون، إذ تبعوا النبي (ﷺ) في طريق العقبة في الجبل ومعه حذيفة وعمار بن ياسر، وحين سمعوا القوم من خلفهم قد اقتربوا أمر النبيُ (ﷺ) حذيفةَ أن يردعهم فذهب يواجههم فرآهم ملثَّمين وضرب رواحلهم بعصا مِحجَن، فألقى الله الرعب في قلوبهم وانصرفوا مسرعين حتى يختلطوا بالناس، ورجع حذيفة إلى رسول الله (ﷺ) فأمره أن يضرب الراحلة ليخرجوا من المكان بسرعة وأخبر عمار أن يمشي هو (وذلك أرفق به لكبر سنه)، وسأله إن كان عرفهم وأخبره بحقيقة مكرهم، ثم أسرَّ (ﷺ) إلى حذيفة بأسماء المنافقين الذين نُهي أن يُصلي عليهم، وصار حذيفة “صاحب السر” الذي لا يعرفه سواه، وتتحقَّق بمعرفته للمنافقين فوائد عديدة، منها إكمال بلاغ الرسول (ﷺ) للأمة، وتحقيق مقصد اتباع النبي (ﷺ) في ترك الصلاة عليهم بعد موته، وحماية الأمة من خطر المنافقين، وإيضاح مكانة حذيفة وضمه إلى النخبة المختارة لإدارة الدولة.
بعدها بدأت تظهر إلماحات باقتراب رحيل النبي (ﷺ) وحذيفة يجتهد في تحصيل ما يحتاج من علم، حتى قال (رضي الله عنه): “وَاللَّهِ إنِّي لأَعْلَمُ النَّاسِ بكُلِّ فِتْنَةٍ هي كَائِنَةٌ، فِيما بَيْنِي وبيْنَ السَّاعَةِ”، ثم كانت حجة الوداع، ثم وفاة رسول الله (ﷺ)، وأثرها في الصحابة، ونذكر موقف الصديق أبي بكر بعدها ثابتًا يرد الناس إلى الهدى، ونتخيَّل حذيفة الذي عاش يتعلَّم عما يقع بعد موته (ﷺ) وهو يدرك معنى قوله (ﷺ): “النجومُ أمنَةٌ للسماءِ، فإذا ذَهَبَتِ النجومُ أتَى السماءَ ما توعَدُ، وأنا أمنَةٌ لأصحابي، فإذا ذهبْتُ أتى أصحابِي ما يوعدونَ، وأصحابي أمنَةٌ لأمَّتِي، فإذا ذهبَتْ أصحابي أتى أمتي ما يوعدونَ”.
الفكرة من كتاب حذيفة بن اليمان في ظلال التربية النبوية
نعيش مع الكتاب سيرة الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه)، ونراه مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم): كيف يعلمه ويربيه، ثم نرى كيف عمِل بعلمه وكيف واجه الفتن.
مؤلف كتاب حذيفة بن اليمان في ظلال التربية النبوية
محمد حشمت: باحث دكتوراه وكاتبٌ ومحاضر، حصل على ليسانس اللغة العربية والعلوم الإسلامية من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، ثم حصل على ماجستير العقيدة الإسلامية من كلية العلوم الإسلامية بجامعة ميديو في ماليزيا.
من مؤلفاته: “نظرية الدين والتديُّن: الفهم والوهم”، و”الخلاصة في علم مصطلح الحديث”، وسلسلة “في ظلال التربية النبوية” التي تضم الكتاب الذي بين أيدينا وكتبًا عن صحابة آخرين منهم “خوَّات” و”كعب بن مالك” و”الرميصاء” (رضي الله عنهم جميعًا).