شريدٌ في ازدحام
شريدٌ في ازدحام
قبل العملية التربوية ذاتها، لا بد من الوقوف على فلسفتها، وذلك لأننا بالفلسفة التربوية نُدرك ما الأهداف والغايات التي يتحرَّك الإنسان إليها، فمثلًا نجد أن مُختلف الفلسفات التربوية تزعم أنها تسعى بالإنسان إلى الخير والسعادة، فماذا تعني إذًا بالخير والسعادة؟ هل هي سعادة دنيوية أم أخروية، أم الاثنان معًا؟
ومنهم من يسعى بالإنسان إلى كمال المادة والرفاهية، ومنهم من يسعى إلى تمام القوَّة والسيطرة، فتشكَّلت الفلسفات المختلفة، مثل: الفلسفة الواقعية والبراجماتية وغيرها، وباختلاف تلك الغايات يختلف تصوُّر الإنسان عن الكون وعن الحياة وعن نفسه.
وبالإضافة إلى ذلك فإن الفلسفة التربوية الحديثة تخدم الرأسمالية حيث تجعل الإنسان جاهلًا بمعاني الكرامة والحرية، فمنذ وجوده في الحياة وهو في صفوف المدارس، ثم في صفوف العمل دون أن يقف ويسأل: لماذا أنا هُنا؟
وبسبب هذا التنوُّع والاختلاف صار إنسان العصر يسير بلا فلسفة تربوية حقيقية! فأصبح الإنسان غريبًا في نفسه وغريبًا عن الكون، وصار معنى العبث هو المعنى المركزي في حياة الإنسان الحديث، فبدأ يُعاني أمراض العقل والروح، فكثُر تضجُّره واتجه إلى الانعزال، وشكَّل في نفسه فراغًا كبيرًا لا يجد تحديدًا ما يملؤه.
وفي السبعينيات أدرك علماء النفس الخطر الكبير الذي قد وقع فيه الإنسان الحديث، فقد دعا البروفيسور أبراهام ماسلو لضرورة إيجاد فلسفة جديدة شاملة تتضمَّن جوانب حياة الإنسان المختلفة، فدعا لدخول الدين والقيم مع المادة، وقدَّم عددًا من البحوث التي توضِّح خطورة الانشقاق بين العلم والدين، فالعلم الذي ينشقُّ عن الدين يكون مُجردًا من الأخلاق ويصبح أداة يستخدمها كل صاحب مصلحة سواء فسدت أو صلحت، والدين المنشقُّ عن العلم صار مقتصرًا على رجال الكهنوت، ولا فائدةً منه في الحياة اليومية، ولهذا لا بد من فلسفة شاملة تجمع كل الجوانب، تبني للإنسان تصوُّرًا صحيحًا عن نفسه وعن الكون وعن الحياة.
الفكرة من كتاب فلسفة التربية الإسلامية -دراسة مقارنة بين فلسفة التربية الإسلامية والفلسفات التربويَّة المعاصرة-
لكل فِعلٍ ظاهر نقوم بِه، هناك تصوُّر باطن قد شكَّل هذا الفعل وجعل نفوسنا تتقبَّله، هذا التصوُّر يعتمد بشكل كبير على عدد من المركزيات في حياة الإنسان، وعلى بعض القيم والأهداف التي لها مكانة كبيرة في نفسه، والتي تحدِّد له الأدوات التي يسعى بها، ووفقًا لتلك القيم والأهداف يتشكَّل الإنسان، وهذا يمكننا تسميته بـ”فلسفة التربية”، فلكلِّ فلسفة غايات معينة تُشكِّل النموذج الإنساني الذي يتطابق تصوُّره وفقًا لتلك الفلسفة، فحينما نتأمَّل حال الإنسان المُعاصر ونقف جيِّدًا مع تصرفاته ودوافعه سنُلاحظ أن هناك فلسفة ما تشكَّل بها تصوُّره فنتج عنها تصرفه، فما هي إذًا فلسفة التربية لدى الإنسان المُعاصر؟ وهل هناك نموذج فلسفي تربوي كامل يرتقي بالإنسان؟ وماذا نعني بفلسفة التربية الإسلامية؟
في كتابنا يفتح لنا الكاتب آفاقًا جديدة لمعرفة إجابات تلك الأسئلة، ونُدرك جيدًا إلى أيِّ التصوُّرات ننتمي، وكيف ننظر إلى تلك الحياة.
مؤلف كتاب فلسفة التربية الإسلامية -دراسة مقارنة بين فلسفة التربية الإسلامية والفلسفات التربويَّة المعاصرة-
الدكتور ماجد عرسان الكيلاني: مُفكِّر ومُؤرِّخ وتربوي أُردني، وُلِد عام 1932م، وحصل على شهادة الماجستير في التاريخ الإسلامي من الجامعة الأمريكية في بيروت، وشهادة الماجستير في التربية من الجامعة الأردنية، وشهادة الدكتوراه في التربية من جامعة بتسبرغ في بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأمريكية.
حصل الدكتور ماجد الكيلاني على عديدٍ من الجوائز والتكريمات من دول العالم المُختلفة، منها: جائزة الفارابي العالمية للعلوم الإنسانية والدراسات الإسلامية، وتوفِّي في عام 2015 م، بعد أن قدَّم الأفكار الكبيرة والأعمال الضخمة التي تُصحِّح للأمة الإسلامية مسارها.
ومن مؤلفاته:
“هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس”، و”أهداف التربية الإسلامية”، و”الدور اليهودي في التربية المعاصرة”.