شروط تأسيس النظرية التربوية الإسلامية
شروط تأسيس النظرية التربوية الإسلامية
تقوم النظرية التربوية الإسلامية وفق شروط أربعة، الشرط الأول: أن يكون التأسيس لتلك النظرية من داخل الدين، لا من خارجه، وذلك راجع إلى أن قضايا النظرية قوامها تعاليم الشرع الإلهي، والشرع الإلهي بالنسبة إلى العقل الإنساني كالأصل بالنسبة إلى الفرع، فالشرع هو الذي يؤسِّس العقل، وليس العقل هو من يؤسس الشرع، إلا في حالة أن يكون هذا العقل، عقلًا مسددًا مشبعًا بالعمل الشرعي متبعًا مقاصده، فيكون هذا العقل، هو عقل الشرع نفسه.
كما أن التدين في حق المسلم ليس مجرد سلوك تعبدي يلجأ إليه لكي تسكن به نفسه، بل يكون إلى جانب ذلك طريقة يتخذها المسلم لتحقيق ذاته في الوجود، فالدين هو عالم وجود المسلم، بالإضافة إلى أن العقل المجرد من العمل الشرعي لا يستقلُّ بإدراك الحقائق الإيمانية أو الحقائق الغيبية التي أخبر عنها الدين، ومن تلك الحقائق أن العاقل يحتاج أن يؤمن بوجود عقله، بحيث يسبق الإيمان بالعقل، صواب العقل.
وهذا التأسيس يجب أن يكون مقيدًا بالتاريخ غير مستقل عنه، بحيث يتحتَّم علينا العودة إلى الذات، واستعادة الهوية الثقافية، ويكون ذلك بإعادة الصلة بالممارسات التربوية الإسلامية التاريخية، واستخراج الأسس الفلسفية منها، ولا يعني ذلك أن يتم أخذ كل ما تقرَّر فيها من مبادئ وقواعد ومناهج تربوية، بل نأخذ منها ما تأكَّد لدينا فائدته، بعد إعادة النظر فيه، وبذلك تكون صلتنا بالتاريخ قائمة؛ بالإضافة إلى أن هذا التأسيس تربوي لا تجريدي، يتم فيه تحويل القواعد والمعايير إلى ممارسات حية، كما أنه تأسيس ضروري راجع إلى أن النظرية التربوية أصيلة غير منقولة، ونتيجة ذلك لا بدَّ أن تدفع النظرية شبه التقليد والجمود من خلال التأسيس الفلسفي لها.
الفكرة من كتاب من الإنسان الأبتر إلى الإنسان الكوثر
تعرضت مفاهيم تربوية كثيرة وأحكام دينية للتحريف والتحوير، حتى أصبح المُسلم المعاصر يُسلِّم بوعي أو دون وعي للمفاهيم الحداثية (العَلمانية) أو (العلموية) وغيرهما، وبناءً على ذلك يرى طه عبد الرحمن بوجوب قطع الصلة بذهنية “الإنسان الأبتر” مقطوع العطاء، معطل الإرادة، المنقطع عن تراثه ولغته ودينه، وإنشاء ذهنية “الإنسان الكوثر” كثير الخير، دائم العطاء، المتواصل مع تراثه ولغته ودينه، وذلك عن طريق تأسيس نظرية “فلسفية تربوية إسلامية” تقوم على العقل المؤيد الموصول بالشرع، والمسدد بمقاصده الشريفة، الناتجة عن تفاعل اللغة والعقيدة في عقل المسلم، واضعة نصب أعينها أن كل منقولٍ حداثي مُعترَض عليه حتَّى تُعاد صِلته بالحقيقة الدينية.
مؤلف كتاب من الإنسان الأبتر إلى الإنسان الكوثر
الفيلسوف المغربي المجدد طه عبد الرحمن، متخصِّص في علم المنطق وفلسفة اللغة والأخلاق، أحد أبرز الفلاسفة والمفكرين منذ سبعينيات القرن الماضي، كتب عشرات الكتب، منها: “العمل الديني وتجديد العقل”، و”سؤال الأخلاق”، و”روح الحداثة”، و”بؤس الدهرانية”، وغيرها.