شروط المعالجة النقدية وحدودها
شروط المعالجة النقدية وحدودها
كان مقياس جودة النصوص العلمية – ما عدا الطبية- والفلسفية والأدبية والدينية قديمًا هو ذكر المصادر التي استند إليها الكاتب، فهي التي كانت تميِّز بين التأليف العلمي الرفيع لصفوة العلماء وبين التأليف لعامة الناس، رغم أنه في النصوص الفلسفية لم يكن هناك حاجة ملحة إلى دعم النظريات بذكر المراجع، فإن العلماء المسلمين كانوا يرون في ذلك تقصيرًا، وقد اعتذر ابن سينا عن عدم ذكر المصادر في كتاب “الشفاء” لضيق وقته، على عكس علمي الحديث والفقه الذي يقتضي كلٌّ منها بالضرورة ذكر المصادر والأسانيد التي تكون من أساسيات العلم.
وفي التاريخ كانوا شديدي الحرص على ذكر المصادر التي يأخذون عنها، وكأنها كانت وسيلة ليسلم العلماء من ألسن المنتقدين، وكأنهم يبرئون أنفسهم أمام الله والناس بقولهم أن الخطأ أو الصواب يتحمَّله في النهاية صاحب المصدر، كما أنها كانت ترفع من قيمة المؤلف وتوضِّح تواضعه واعترافه بعلم غيره، وكان المؤرخ الذي لا يكتب المصادر يتعرَّض لكثير من الانتقادات والاتهامات.
ومن شروط المعالجة النقدية الدقة في النقل بكل أمانة مهما كان المكتوب حقًّا أو باطلًا فإنه سيفيد طلبة العلم، أما النقل من الذاكرة فلم يكن دقيقًا، على عكس النقل الشفوي الذي كان يحتفظ بالمعنى بكل دقة.
وكان يحرص المؤلف على حقوقه في التأليف حيث كانت السرقة الأدبية والانتحال يحرمان الكاتب من حقوقه، ورغم أن السرقات الأدبية لدى المسلمين كانت قليلة، فإنها كانت تتطلَّب الدقة في البحث والاستماع لاكتشاف المتهم، وقد وضع علماء المسلمين قواعد في علم الحديث لمعرفة السرقة والتزوير، والذي ساعد على اكتشاف المسروقات الأدبية هي الروح النقدية لدى العلماء المسلمين التي ظهرت خصوصًا عند الخلافات العقائدية، حينما حاول علماء السُّنة إثبات تزوير الكتب المنسوبة للإمام علي (كرم الله وجهه)، وكان العلماء المسلمون يميلون إلى النقد لإظهار تفوُّقهم الفكري على من سبقوهم، ولم تكن هناك مشكلة في انتقاد التلميذ لمعلمه، حيث كانت صدورهم تتسع للنقد ما دام يتسم بالاحترام.
الفكرة من كتاب مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي
كيف نظر العالِم المسلم إلى المشكلات المهمة المتصلة بالبحث العلمي؟ وهل كان لدى العلماء العرب منهج علمي واضح الأصول؟
إن قضية أصالة المنهج العلمي للمسلمين تعدُّ من القضايا التي ثار حولها جدل كبير بين ادعاءات بالافتقار أو النقل، ومن هُنا كان روزنتال يلوم على المستشرقين مقاييسهم الصارمة التي يضعونها عند تقديرهم للبحث العلمي عند المسلمين، متغافلين عن اختلاف المعايير الحضارية والتقنية التي ساعدت الغرب، ولم تكنْ قد وصلت بعد إلى الشرق، فكيف نزن بمكيالين مختلفين إذًا؟!
مؤلف كتاب مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي
فرانتز روزنتال Franz Rosenthal: مستشرق ألماني أنصف الفكر الإسلامي وقدَّره حق قدره، وعالم في الدراسات الإسلامية، ولد في برلين أغسطس عام 1914 وتوفِّي في أبريل 2003، درس الحضارات واللغات الشرقية وحصل بها على درجة الدكتوراه، ودرس اللغة العربية في جامعة بنسلفانيا، وشغل بها منصب أستاذ اللغات السامية في جامعة بيل.
ترجم وحقق مقدمة ابن خلدون، ويهتم بالحضارة الإسلامية، ومن مؤلفاته:
تاريخ الطبري.
علم التاريخ عند المسلمين.
مفهوم الحرية في الإسلام.
مفهوم المعرفة في الإسلام.