شرارات متفرقة

شرارات متفرقة
كرة القدم ليست مستحدثة وإنما سبقت نشأتها مولد المسيح وتحديدًا في الصين، حيث نُظمت أولى ألعاب الكرة بقوانين تمنع ملامسة الكرة للأرض أو لأيادي اللاعبين، وفي هذه السطور سنستعرض شرارة البَدء في شتى بقاع الأرض.

ففي العصور القديمة اعتاد المصريون واليابانيون الاستمتاع بتبادل ركل الكرة وتمريرها، أيضًا نجد الإغريق قد نقشوا رسومًا على القبور تدل على لعبهم الكرة، ويقال إن يوليوس قيصر كان يلعبها متقنًا استخدام كلتا ساقيه، في حين أن الإمبراطور نيرون لم يكن ماھرًا في اللعب.
وعلى أقدام الرومان القدماء وصلت تلك اللعبة إلى الجزر البريطانية عام 1314، لتبدأ منها انتقالة حديثة في مفهوم الكرة، لكنها أول الأمر قوبلت بتمام الرفض والإنكار الذي وصل إلى حد المنع، فقد وصفها الملك إدوارد الثاني بأنها: “تنتج عنها شرور كثيرة لا يبيحها الرب”، وذلك لما خلفته من قتلى نتيجة تنافسهم في مجموعات كبيرة، بلا قواعد ولا أعداد محددة، وكأنما شعب يهاجم شعبًا آخر بلا هوادة، وفي عام 1349 ضمها الملك إدوارد الثالث إلى ألعاب الحماقة عديمة النفع، وعلى نفس المنوال وقع هنري الرابع 1410، وهنري السادس 1547 مراسيم ضد كرة القدم، وحتى مسرحيات شكسبير لم تخل من ذكر رمزيات للكرة، ففي مسرحية الملك لير مثلًا كان الكونت كينت يشتم أحدھم قائلًا: “أنت، يا لاعب كرة القدم الحقير”.
هكذا استمر الرفض الملكي لها وتعاقبت القوانين أعوامًا بل قرونًا من التعنُّت، لكن كلما ازداد هذا المنع زادت الرغبة الشعبية في اللعب، وتوسع الانتشار بين الشعب بكل طبقاته.
ومن بريطانيا ننتقل إلى أمريكا الوسطى والمكسيك، حيث قدَّست الكرة المطاطية قبل ألف وخمسمئة عام من ولادة المسيح، فكانت تضرب بالورك أو العضد على عكس الشائع، ورغم جهلنا بمتى بدأت تحديدًا في أماكن أخرى من القارة الأمريكية، فإننا نجد دلالات عند بعض الشعوب القديمة تفيد ركضهم وراء طابة مصمتة، كهنود غابات الأمازون البوليفية، وشعب الأزتيك الذين اعتادوا طلاء أجساد الفائزين بخطوط حمراء ثم ذبحهم وتقديمهم قرابين للآلهة؛ كي تكون الأرض خصبة والسماء سخية.
الفكرة من كتاب كرة القدم بين الشمس والظل
بعيدًا عن أحاديث المهووسين بالكرة، وعن نمطية الكتب الرياضية، يطل علينا غاليانو بأسلوبه الفريد ليرينا اللعبة من منظور أدبي مختلف، يأسرك مع المعاناة ويحررك مع الفرحة، لتتفاعل مع تبعات لم تتخيل مطلقًا أن الكرة هي محركها الأول.
هنا ستدرك الوجه الآخر لكرة القدم، ذلك الوجه المشتمل على مشاعر متضاربة، وحقائق مجهولة، والمرتبط بأبعاد سياسية واقتصادية وتحولات تاريخية لم يسبق لنا تصوُّرها، ببساطة لا يشترط هذا الكتاب اهتمامًا سابقًا بالكرة ولا إدراكًا لشروطها كي تشاركه رحلته الحزينة من المتعة إلى الواجب، ومن هواية تسلي البسطاء إلى صناعة معقدة وأداة فعالة لتحريك الشعوب.
مؤلف كتاب كرة القدم بين الشمس والظل
إدواردو غاليانو : عملاق من عمالقة الأدب اللاتيني والمفتون بالساحرة المستديرة، فكان رجل الحروف البارز في مجال كرة القدم العالمية، ولد غاليانو في الأوروغواي عام 1940 ومات في 2015، عمل خلال حياته باحثًا وروائيًّا وصحفيًّا، لكنه عاش جزءًا من عمره منفيًّا بعيدًا عن موطنه في إسبانيا والأرجنتين لأسباب سياسية.
امتاز أسلوبه بدمج المفردات والأنماط العالمية المستخدمة في الأدب، فعدَّ ملهمًا للكثيرين حول العالم، وترجمت أعماله إلى ثمانٍ وعشرين لغةً، من أبرزها:
أفواه الزمن.
أبناء الأيام.
صياد القصص.
الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية.
معلومات عن المترجم
صالح علماني: رائد ترجمة أدب الواقعية، الذي استطاع بمجهوده الفردي الغزير على مدى أربعين سنة وبكلماته السلسة أن يأخذ بأيدينا لنتطلع على أمريكا اللاتينية وأدبها كما لم يفعل غيره.
ولد شيخ المترجمين العرب في سوريا عام 1949 بهُوية فلسطينية وفارق عالمنا سنة 2019 في إسبانيا، وهي الدولة التي احتضن لغتها، وعمل في نقلها لنا بعد أن ترك دراسة الطب ومن بعدها الصحافة، حتى وجد ضالته مصادفةً في الترجمة، وقال في ذلك: “أن تكون مترجمًا مُهمًّا أفضل من أن تكون روائيًّا سيئًا”، وهكذا صار وسم “صالح علماني” على فاتحة كتاب ما شهادة بأن المضمون يستحق القراءة.