شبكة الإنترنت وعلاقتها بالسطحيين
شبكة الإنترنت وعلاقتها بالسطحيين
رغم ما تقدمه شبكة الإنترنت من فوائد قد لا تعد ولا تحصى، فإن هناك أخبارًا غير سارة تتمثل في أن عشرات الدراسات التي أجراها علماء النفس وعلماء الأعصاب وعلماء التربية توصلت إلى نتيجة واحدة، وهي أن الاتصال بشبكة الإنترنت يدعم القراءة السريعة والتفكير العجول، والتشتت وعدم التركيز، والتعلُّم السطحي، ومن ثم يتم القضاء شيئًا فشيئًا على التفكير الإبداعي والتأمل والتدبُّر، وتبدأ الدارات العصبية التي تدعم هذه الممارسات في التفكك!
تشتمل أدمغتنا على نوعين من الذاكرة مختلفين للغاية: الأولى “الذاكرة القصيرة المدى” وهي ذاكرة سعتها التخزينية صغيرة، تعمل على حفظ ذكرياتنا وأحاسيسنا وأفكارنا الفورية على هيئة ذكريات قصيرة تدوم لثوانٍ معدودة. الثانية “الذاكرة الطويلة المدى” وهي ذاكرة سعتها التخزينية كبيرة جدًّا، إذ تنتقل المعلومات إليها من الذاكرة القصيرة المدى، وتُخزن فيها لبضعة أيام أو سنوات أو للعمر كله، ومن ثم فهي تعمل كنظام الأرشفة الخاص بنا. وعندما نفكر فإن دماغنا ينقل الذكريات من الذاكرة الطويلة المدى إلى الذاكرة القصيرة المدى، كما يتوقف عمق تفكيرنا على قدرتنا على نقل المعلومات من الذاكرة القصيرة المدى وإدراجها ضمن المخططات المعرفية المفاهيمية في الذاكرة الطويلة المدى، وبناءً على ذلك عندما تتجاوز المعلومات المتدفقة إلى الذاكرة القصيرة المدى سعتها التخزينية، فإننا نكون غير قادرين على استرجاع المعلومات مرّة أخرى، ومن ثم تضعف قدرتنا على التعلُّم، ويصبح فهمنا وتعلمنا سطحيّين، وهذا ما تفعله شبكة الإنترنت بسبب الكم الهائل من المعلومات المتدفقة إلى الذاكرة القصيرة المدى، فتدخل المعلومة من الباب وتخرج من الشباك!
يعد متصفح “جوجل” معبدًا أو كنيسةً للإنترنت، فمليارات من عمليات البحث على الإنترنت تجري يوميًّا على جوجل، ورغم وفرة المحتوى الذي يقدمه جوجل وكفاءته العالية، فإنه يُعزز من الاطلاع السريع والسطحي على المعلومات، وهذه ليست مصادفة، بل هي سياسة واستراتيجية تتبعها جوجل لتعظيم أرباحها، فنظام الإعلانات بجوجل مصمم لمعرفة أي الرسائل أكثر جاذبية لنا، ومن ثم تعمل الخوارزميات على حجب سواها حتى وإن كانت أكثر فائدة للمستخدم، لأن ذلك في مصلحة جوجل الاقتصادية، ولم تتوقف جوجل عند خدمة البحث في الصفحات الإلكترونية، فهي الآن تقدم خدمات بحث متخصصة في الصور والفيديو والخرائط والمدونات والمجلات الأكاديمية، وغيرها من الخدمات الأخرى.
الفكرة من كتاب السطحيون.. ما تفعله شبكة الإنترنت بأدمغتنا
عندما تظهر أي وسيلة إعلام جديدة لنقل المعلومات، فإن الناس ينشغلون بالمحتوى الذي تنقله ويختلفون ويتناقشون حوله، فمثلًا يهتمون بالأخبار التي تنقلها الصحف، والبرامج التي ينقلها التلفاز، والكلمات التي ينقلها الطرف الآخر عبر الهاتف، فتتوارى التقنية ذاتها خلف المحتوى الذي تنقله، وجاءت شبكة الإنترنت لتكون آخر وسيلة تثير النقاش والخلاف، فالبعض يبشِّر بعصر ذهبي لإمكانية الوصول إلى المعلومة ومشاركتها، والبعض الآخر يشكك وينذر ببدء عصر من الظلام تخيم عليه الضحالة والنرجسية
وبين هذا وذاك يغيب عن الأذهان أن التقنية تُغيِّر أنماط الإدراك دون أي مقاومة من مستخدميها، لدرجة أننا لا نلاحظ ما يجري داخل رؤوسنا، وفي الوقت نفسه نظن أننا نُمسك بزمام الأمور لنُرضي كبرياءنا، مع أن الواقع يخبرنا أن شبكة الإنترنت أصبحت السيد والخادم في آنٍ واحد، ومن هذا المنطلق يأتي هذا الكتاب ليكشف لنا المخاطر المُحيطة بالإنسان في ظل الإنترنت والمجتمعات الرقمية التي سلبت الإنسان واقعه المادي الملموس، ودفعته دفعًا إلى عالم رقمي مليء بالأوهام والأمراض والاستلاب.
مؤلف كتاب السطحيون.. ما تفعله شبكة الإنترنت بأدمغتنا
نيكولاس كار: هو كاتب أمريكي حاصل على الماجستير في الإنجليزية والأدب الأمريكي من جامعة هارفارد، له مقالات وكتب عديدة حول التقنية والأعمال والثقافة. من مؤلفاته:
The Glass Cage: How Our Computers Are Changing Us
The Big Switch: Rewiring the World, from Edison to Google
Utopia Is Creepy: And Other Provocations
معلومات عن المترجم:
وفاء م. يوسف: هي كاتبة ومترجمة قانونية بمركز ترجمة اللغة الإنجليزية بجامعة البحرين. من ترجماتها:
الثراء للأزواج الأذكياء.
السطحيون.